صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٠
لهذا الخلق الهاشمي الأفضل. وكان للحسن على الخصوص، مواريث شخصية كثيرة من وصايا ودساتير، آثره بها سيد العرب أبوه أمير المؤمنين عليه السلام. وكان أبوه كما يحدثنا التاريخ شديد العناية بابنه الحسن " وكان يكرمه اكراما زائدا ويعظمه ويبجله (1) ". وكانت هذه الوصايا، المثل التي لا يقربها الباطل ولا تزيغ عن الصواب على اختلاف موضوعاتها في الدين والدنيا وفي التربية والاخلاق. وكان فيما أوصى به علي الحسن قوله: " لا تدعون إلى مبارزة، فان دعيت إليها فأجب، فان الداعي إليها باغ. والباغي مصروع ".
لذلك كنا نرى الحسن في ابان بيعته، وفي قوة اندفاع أصحابه للهتاف بالحرب، لا يجيب إليها صريحا، ولا يعمل لها جادا، لأنه كان ينظر إلى الحرب نظرته إلى ضرورة بغيضة، يلجأ إليها حين لا حيلة له في اجتنابها، وكان ينتظر تنظيم حرب يضمن لها القوة، أو قوة تضمن له الحرب، وقد حالت الظروف المتأزمة - يومئذ - والذاهبة صعدا في أزماتها بينه وبين ما يريد.
وقد أتينا في الفصل السابق على استكشاف الأوكار التي كان ينتمي إليها المتحزبون المتحمسون في الكوفة، من أموية، ومحكمة، وشكاكين، وحمراء. وأشرنا هناك إلى ما كانت تعج به هذه المجتمعات من روح الهدم والتخريب، والوقوف في وجه السياسة القائمة بشتى الأساليب.
وكان كل ذلك - وبعضه كاف - سبب التمهل في الحرب، الامر الذي عورض به الحسن عليه السلام من قبل فئات من أصحابه المناصحين له. وكان للنشاط المؤقت المحدود، الذي غمر الكوفة في أيام البيعة، أثره في اغراء هذه الفئات من الأصحاب، ليظنوا كل شئ ميسرا لخليفتهم الجديد. ولكنها كانت النظرة القصيرة التي لا تمتد إلى ما وراء الستار. ولا تزن في حسابها ما تهدفه هاتيك " الأوكار ".

(1) ابن كثير (ج 8 ص 36 - 37).
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»