صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٢
مقدراته من حروب الشام. وكان معاوية العدو الذي لا يفتأ يمد فكرة الثورة في الكوفة بكل ما أوتي من ثراء أو دهاء.
لذلك كان ما اختاره الحسن هو الأحسن لموقفه الدقيق.
ونقول في الجواب على مقترح بعض نصحائه من أصحابه في تعجيل الحرب حين طلب اليه " بأن يبدأ معاوية بالمسير حتى يقاتله في أرضه وبلاده وعمله (1) ": انه لو فعل ذلك لفتح للمعارضين من زعماء الأحزاب في الكوفة وللمتفيهقين من القراء و (أهل الهيأة والقناعة) فيها، منفذا للخلاف عليه لا يعدم الحجة، إذا أريد الاحتجاج به من ناحية " الابتداء بالعدوان " وهي الحجة التي لا يجد كثير من الناس أو من بسطاء الناس الجواب عليها، والتي قد يؤول بها النقاش إلى مجاهرة هذه الجماعات بنكث البيعة علنا، والتخلي عن الحسن جهارا، ومعنى ذلك التعرض إلى أفظع انشقاق داخلي، له عواقبه ومخاوفه.
ولهذا وذاك آثر الحسن التهدئة متمهلا بالحرب بادئ ذي بدء.
ثم ارتجل الامر بالجهاد.
وما كان إذ أمر بالجهاد الا مستجيبا للظرف الطارئ الذي لم يكن يحتمل - في نظر الجميع - الا الامر بالجهاد، وذلك حين بادر معاوية إلى العدوان مبتدئا، وتحلبت أشداقه بالمطامع الإقليمية ولكن في صميم بلاد الاسلام!، فزحف إلى " جسر منبج (2) " باتجاه العراق، وذلك بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام، بقليل من الزمن اختصره اليعقوبي (3) كثيرا

(1) ابن أبي الحديد (ج 4: ص 13).
(2) " منبج " بلد قديم كبير، بينه وبين جسره على الفرات ثلاثة فراسخ، وبينه وبين " حلب " عشرة فراسخ، وفي المعجم: " بينهما يومان "، قال: " ومنها إلى (ملطية) أربعة أيام والى الفرات يوم واحد، وخرج منها جماعة منهم البحتري وأبو فراس الحمداني.. ".
(3) (ج 2: ص 191).
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»