صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٩١
اما الحسن فقد كان ينظر بالبصيرة الواعية إلى أبعد مما ينظرون، ويعرف بالعقل اليقظان من مشاكلهم أكثر مما يعرفون، ويغار - بدينه - على الصالح العام أعنف مما يحسبون.
انه يدرك جيدا دقة الموقف، بما يسيطر عليه من ميوعة الاخلاق، في قسم عظيم ممن معه في جيشه، وممن حوله في كوفته وكان ينتظر لهذا التفسخ الأخلاقي الذي باع الدنيا بالدين، أثره السيئ في ظروف الحرب، لو أنه استبق إلى الحرب قبل أن يضطره الموقف إليها.
ورأى أن في تحمل قليل من مفاسد هؤلاء كثيرا من الصلاح لسياسته الحاضرة مع ظرفه الخاص.
ورأى ان يعالج الموقف من وجهه الثاني، فترفق بالناس، ولم يتنكر لاحد من رعيته ولم يبد له أمرا، وأخذ بسياسة التهدئة وإسدال الستار، لئلا يتسع الفتق وتعم الفتنة، وأرجأ التصفية إلى وقتها المناسب لها، ليضع الندى في موضعه والسيف على أهله.
* * * وهنا يسبق إلى الذهن استفهام لا يجوز للباحث أن يتجاوزه من دون أن يقف على سره. انه كان الأولى برئيس الدولة إذ جوبه من ظروفه بمثل هذا الجو المتلبد بالغيوم، أن يعمد إلى الحزم في استئصال الشغب، فيستعمل الشدة ويكشف المؤامرات وينكل بالخونة ويكيل لهم الجزاء الذي يستحقون. فما الذي حدا بالحسن عليه السلام، إلى العزوف عن طريقة الشدة إلى الرفق أحوج ما يكون موقفه إلى الأول منهما تعجيلا للاستقرار واستعدادا لمستقبله المهدد بالحروب؟.
وللجواب على هذا الاستفهام، وجوهه الثلاث التي ستقرؤها في خاتمة الفصل الثامن. ونقول هنا: ان الحسن لو أراد الاخذ بسياسة الشدة - وكانت من أوضح الأساليب التي تتخذ لمثل هذه الظروف - لتعجل الفتنة عن عمد، ولفتح ميدانه للثورات الداخلية التي لن تكون أقل خطرا على
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»