صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٦
حزنه على الامام الراحل - بما شاع في أكنافه من شيم الأنبياء الموروثة في خليفته الجديد، ولم يكن ثمة أعمل بالتقوى، ولا أزهد بالدنيا، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه، لذلك كان الشخصية الفذة التي تتفق عليها الآراء المختلفة عن رغبة وعمد، وتجتمع فيها عناصر الزعامة كما يجب في قائد أمة أو امام قوم.
وانتهت مهرجانات البيعة في الكوفة على خير ما كان يرجى لها من القوة والنشاط والتعبئة، لولا ان للقدر أحكاما لا تجري على أقيسة العقول، ولا تسير على رغائب الأنفس، فكان الجو السياسي في الحاضرة التي تحتفل لأول مرة في تاريخها بتنصيب خليفة، لا يزال راكدا متلبدا مشوبا بشيء كثير من التبليل المريب، وذلك هو ما ورثته الكوفة من مخلفات الحروب الطاحنة التي كانت على مقربة منها في البصرة والنهروان وصفين. وفي الكوفة يومئذ أنصار كثيرون لشهداء هذه الحروب وضحاياها من الفريقين يشاركونهم الرأي، ويتمنون لو يسر لهم اخذ الثار، ويعملون ما وسعهم العمل لتنفيذ أغراضهم.
ومن هذه الاغراض، الاغراض الصالحة المؤاتية، ومنها الفاسدة المبرقعة الأهداف التي لا تفتأ تخلق ذرائع الخلاف في المجموع.
* * * اما الحسن - وهو في مستهل خلافته - فقد كانت القلوب كلها معه لأنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، ولان من شرط الايمان مودته، ومن شرط البيعة طاعته.
قال ابن كثير: " وأحبوه أشد من حبهم لأبيه (1) ".
وكان لا يزال بمنجاة من هؤلاء وهؤلاء، ما دام لم يباشر عملا ايجابيا يصطدم بأهداف البعض، أو يمس الوتر الحساس من عصبيات البعض الآخر. ذلك لان الوسائل التي أصبح يعيش بها الاسلام يومئذ، كانت

(١) البداية والنهاية (ج 8 ص 41).
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»