صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٥
وكان من بواعث هذه البادرة - هجرة علي إلى الكوفة - ضعف موارد الحجاز، واعتماده في موارده على غيرها، وما من علة تتعرض لها دولة أضر من اعتمادها في الموارد على غيرها، وكانت الكوفة وبلاد السواد تكفي نفسها وتفيض. وهذا عدا الأسباب العسكرية التي اضطرته لها الثورات المسلحة التي كانت تتخذ من بلاد الرافدين ميادين لإعمالها العدوانية.
وتقاطر على الكوفة - إذ هي عاصمة الخلافة - كبار المسلمين من مختلف الآفاق. وسكنتها القبائل العربية من اليمن والحجاز، والجاليات الفارسية من المدائن وإيران. وعمرت فيها الأسواق التجارية. وزهت فيها الدراسات العلمية. وأنشئت حولها الحدائق والبساتين والأرباض والقريات. وأغفت على ذراعها أمجاد التاريخ والآداب والعلوم زمنا طويلا.
وغلب على الكوفة تحت ظل الحكم الهاشمي التشيع لعلي وأولاده عليهم السلام، ثم لم يزل طابعها الثابت اللون. ووجد معه بحكم اختلاف العناصر التي يممت المصر الجديد أهواء مناوئه أخرى، كانت بعد قليل من الزمن أداة الفتن في أكثر ما عصف بالكوفة من الزعازع التاريخية والرجات العنيفة لها وعليها.
* * * وجاءت بيعة الحسن عليه السلام يوم بايعته الكوفة، عند ملتقى الآراء من سائر العناصر الموجودة فيها يوم ذاك، على أنها كانت قل ما تلتقي على رأي.
وكان للحسن من أسلوب حياته في هذه الحاضرة، مدى اقامته فيها، ما جعله قبلة الانظار ومهوى القلوب ومناط الآمال، وملأ أجواء المدينة الجديدة " عاصمة أبيه " بكرائم المكرمات التي تنتقل في آل محمد بالإرث: جود يد، وسجاحة خلق، ونبل شعور، وظرف شمائل، وسعة حلم، ورجاحة عقل وعلم وزهادة وعبادة. وضحك منبر الخلافة - في بحران
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»