صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣١٤
بالعمل به. ولو كف معاوية لسانه عن النجوم من آل محمد (ص) الذين كان عليه ان يقتدي بهم ليهتدي، لكف الناس ألسنتهم عنه وعن أمثاله من الظالمين، ولماتت النعرات ولتم الصلح بصلاح المسلمين.
ولكنها كانت البذرة الخبيثة التي زرعها الرجل عامدا، ثم تعاهدها هو وذووه بالتغذية والسقي، فإذا بها شجرة العوسج في تاريخ الاسلام، استغفلوا بها البسطاء ولبسوا بها على عقول الجهلاء، وجعلوا من السبة في التاريخ " سنة " في المسلمين، يتنادون عليها، ويحتفلون بها، ويحتجون (1) على تركها إذا تركت!!..
وما لمعاوية فيما قدم لنفسه من هذه الباقيات من عذر يرجى، ولا فيما أخر لتاريخه من مجد يحسد عليه أو يطري. وإذا كان الدهاء هو فشل الانسان فيما قدم وفيما أخر، فمعاوية أدهى الدهاة!.
وكان من أروع مظاهر الدهاء فيه موقفه من صلح الحسن عليه السلام بما جر عليه هذا الصلح من ويلات معنوية ونكبات تاريخية في حياته وبعد مماته!!.
وكان معنى الصلح في مفهوم الناس، وأعني الصلح الذي لج هو في تحصيله حتى أقام الدنيا وأقعدها - هو ان يحطم السنان وان يكم اللسان وان يكون كل وشأنه. وفق الحدود التي ستقررها المعاهدة فيما يتفق عليه الفريقان. وجاءت المادة الثالثة من اتفاقيتهما، وهي صريحة بوجوب الكف عن السب، فكان على معاوية ان يكف، لو انه أراد الصلح حقيقة، أو أراد الوفاء بالشروط كما يفرضه الذمام والعهد والايمان.
ولكن الرجل لم يطلب الصلح الا ليسرح الجنود، وليأمن غائلة حربه مع الحسن ابن رسول الله (ص) - كما أشير اليه -، لم يشأ ان يرجع في صلحه إلى التزام المقررات، أو الاكتراث بالمعاهدات، فوقع الصلح ولكنه انما وقعه حبرا على ورق، وحلف الايمان وأعطى المواثيق ولكنه

(1) سبق في الفصل (14) زيادة توضيح للبحث مع ذكر المصادر بأرقامها.
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 320 321 ... » »»