صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣١٥
أرسلها ارسالا لا يتحسس من ورائه ذمة ولا سؤالا. وجاء الكوفة، وسبق إلى منبرها فذكر عليا ونال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه، فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال ما شاء أن يقول من أسلوب حكيم، ودعوة حق إلى صراط مستقيم.. [وقد مرت خطبة الحسن بطولها وما قاله معاوية قبلها في الفصل (18)].
وكان فيما هتف الناس به للحسن على خطابه وجوابه، ما لم يرض له معاوية، وهو إذ ذاك لا يزال ثملا بخمرة الانتصار الموهوم، فرأى أن ينظم حملة جديدة لتربيت الخلق الذي لا يحسد عليه - خلق السباب والشتم والطعن في الناس -، رغم أن المثالية الاسلامية تناقض هذا الخلق وتنكره على الناس وتدعوهم إلى التراحم والتحابب والاخوة في الدين، وتقول فيما تقول: " لا يكون المؤمن سبابا ولا فحاشا ولا طعانا ولا لعانا ".
" فقال أبو الحسن علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني في كتاب الاحداث: كتب معاوية نسخة واحدة بعد عام الجماعة، أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب - يعني عليا عليه السلام - وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر، يلعنون عليا ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام (1) ".
ودعا المغيرة بن شعبة وهو يريد أن يستعمله على الكوفة - بعد الصلح - فقال له: أما بعد. فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، ولا يجزي عنك الحليم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، انا تاركها، اعتمادا على بصرك. ولست تاركا إيصاءك بخصلة واحدة، لا تترك شتم علي وذمه!! (2) ".
ثم خلف المغيرة على الكوفة زياد " فكان يجمع الناس بباب قصره

(1) ابن أبي الحديد (ج 3 ص 15).
(2) ابن الأثير (ج 3 ص 187)، والطبري (ج 6 ص 141).
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 320 321 322 ... » »»