صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٨٦
وزاد أبو اسحق السبيعي (1) فيما رواه من خطبة معاوية قوله: " الا وان كل شئ أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به!! ".
قال أبو اسحق: " وكان والله غدارا (2) ".
ثم تطلع الناس، فإذا هم بابن رسول الله الذي كان أشبههم به خلقا وخلقا وهيبة وسؤددا، يخطو من ناحية محراب أبيه في المسجد العظيم ليصعد على منبره. وفي غوغاء الناس ولع بالفضول لا يصبر عن استقراء الدقائق من شؤون الكبراء، فذكروا لجلجة معاوية في خطبته، ورباطة الجأش الموفورة في الحسن وقد استوى على أعواده، وأخذ يستعرض الجموع الزاخرة التي كانت تضغط المسجد الرحب على سعته، وكلها - إذ ذاك - أسماع مرهفة لا هم لها الا أن تعي ما يرد به على معاوية، فيما خرج به عن موضوع الصلح، فنقض العهود وأهدر الدماء وتطاول على الأولياء. وكان الحسن بن علي (ع) أسرع الناس بديهة بالقول، وأبرع الخطباء المفوهين على تلوين الموضوعات، فخطب في هذا الموقف الدقيق، خطبته البليغة الطويلة التي جاءت من أروع الوثائق عن الوضع القائم بين الناس وبين أهل البيت عليهم السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووعظ ونصح ودعا المسلمين - في أولها - إلى المحبة والرضا والاجتماع، وذكرهم - في أواسطها - مواقف أهله بل مواقف الأنبياء، ثم رد على معاوية - في آخرها - دون أن يناله بسب أو شتم، ولكنه كان بأسلوبه البليغ، أوجع شاتم وساب.
قال: " الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد ان لا اله الا الله كلما شهد له شاهد. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى، وائتمنه على

(١) هو عمرو بن عبد الله الهمداني التابعي، الذي يقال عنه أنه صلى أربعين سنة صلاة الغداة بوضوء العتمة، وكان يختم القرآن في كل ليلة، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث.
(2) شرح النهج (ج 4 ص 16).
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 284 285 286 287 288 289 290 292 ... » »»