حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ١٢٦
بوحي من عقيدته إلى نصرتهم والذب عنهم والتشهير بخصومهم وليس في ذلك أي نقص عليه، وانما هو فخر وشرف له.
إلى جنة المأوى:
وظل دعبل معظم حياته مجاهدا ومناضلا قد سخر من ملوك عصره الذين استباحوا حرمات الله، فهجاهم بأمر وأقذع ألوان الهجاء، وقد طاردته السلطة، ورامت تصفيته جسديا ولكنه اختفى، وراح يجوب في الأقطار يلاحقه الفزع والخوف، وهو القائل في تائيته الخالدة:
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الامن بعد وفاتي وقد أعلن بشجاعة فائقة استعداده للموت فقال: " لي خمسون سنة أحمل خشبتي - اي خشبة الاعدام - على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك ".
وكانت نهاية دعبل على يد ذئب من ذئاب عصره وهو مالك بن طوق التغلبي فقد طلبه فهرب إلى البصرة، وكان واليا عليها إسحاق بن العباس العباسي وقد بلغه هجاء دعبل له، فأمر بالقاء القبض عليه، فجئ به إليه مخفورا فدعا بالنطع والسيف ليضرب عنقه، فأنكر دعبل القصيدة التي قيلت في ذمه وان عددا له قالها ونسبها له ليغري بدمه، وجعل دعبل يتضرع إليه فأعفاه من القتل إلا أنه دعا بالعصي والمقارع، وانهال عليه ضربا بوحشية قاسية ثم خلى سبيله فهرب إلى (الأهواز) (1).
وسارع مالك بن طوق فبعث رجلا حصيفا مقداما وأعطاه سما، وأمره باغتيال دعبل، وأعطاه عوض هذه الجريمة عشرة آلاف درهم، وانبرى الرجل مسرعا إلى (الأهواز) فجد في طلب دعبل فعثر عليه في قرية من نواحي (السوس) فاغتاله بعد صلاة العتمة، فضربه على ظهر قدمه بعكاز له زج مسموم فتسمم بدنه، ومات في غده، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى (السوس) فدفن فيها (2) وانتهت بذلك حياة هذا المجاهد الذي قارع الباطل بشجاعة، وقد رثاه صديقه الشاعر الكبير أبو تمام الطائي بهذه الأبيات:

(1) الأغاني 18 / 60.
(2) الأغاني 18 / 60.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست