وقد رأينا الكثيرين يمتنعون على تولي المناصب للحكام، لما يرونه من المنافاة المشار إليها.
ولعل سر فهمهم هذا: هو أنهم كانوا قد اعتادوا من الحكام التجاوز على الحقوق، والدماء، والأموال، وعلى أحكام الدين، والنواميس الإنسانية، بشكل عام. والزهد والورع لا يتلائم مع ذلك كله، ولا ينسجم معه.
ولكن الحقيقة هي: أن لا منافاة بينهما أبدا، فإن الحكم إذا كان وسيلة لا يصال الخير إلى الآخرين، ورفع الظلم عنهم، وإشاعة العدل، وإقامة شريعة الله تعالى، فيجب السعي إليه، والعمل من أجله، وفي سبيله.. بل إذا لزم من ترك السعي إليه، تضييع الحقوق، وانهيار صرح العدل، والخروج على أحكام الدين، فإن ترك السعي هذا، يكون هو المنافي للزهد والورع والتقوى..
ولقد قاد النبي (ع) الأمة، وقبله قادها سليمان بن داوود، وغيره، وبعده الإمام علي بن أبي طالب، وولده الحسن، ثم الحسين، وهكذا..
وحال هؤلاء في الزهد والورع، لا يحتاج إلى مزيد بيان، وإقامة برهان، بل لم يكن على ظهرها أزهد، ولا أتقى، ولا أفضل، ولا أورع منهم، عدوهم يعرف منهم ذلك تماما كما يعرفه منهم صديقهم.
فعدا عن الأنبياء الذين كانوا القمة في الورع والزهد والتقوى، نرى الإمام علي (ع) قمة في ذلك أيضا، وقد رقع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وكان راقعها هو ولده " الإمام الحسن (ع) " (1). وكان