حياة الإمام الرضا (ع) - السيد جعفر مرتضى - الصفحة ٢٤٣
جعل ولاية العهد للإمام، سوف يكون كافيا لتحطيمه اجتماعيا، وإسقاطه نهائيا من أعين الناس، حيث يظهر لهم بالعمل - لا بالقول: أن الإمام رجل دنيا فقط، وأن تظاهره بالزهد والتقوى ما هو إلا طلاء زائف، لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ولسوف تكون النتيجة هي تشويه سمعة الإمام (ع)، وزعزعة ثقة الناس به، وذلك بسبب الفارق الكبير بالسن، بين الخليفة الفعلي، وبين ولي عهده، إذ أن ولي العهد لا يكبر الخليفة الفعلي بسنتين، أو ثلاثة، أو خمسة، لا.. بل أكثر من ذلك بكثير، إنه يكبره ب‍ " 22 " سنة، وإنه لمن الأمور غير الطبيعية أبدا: أن يقبل ولاية العهد، وهو يكبر الخليفة الفعلي بهذا المقدار الكبير من السنين، ولسوف يكون قبوله لها - مع هذا الفارق بينهما - موجبا لجعله عرضة لشكوك الناس، وظنونهم، ولسوف يتسبب بوضع علامات استفهام كبيرة حوله.. كما كان الحال، بالنسبة لسؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان المتقدم.. ولسوف يفسر (1) ذلك من أولئك الذين لا يدركون حقيقة ما يجري، وما يحدث، - وما أكثرهم - بتفسيرات تنسجم مع رغائب المأمون، وأهدافه. لأنهم سوف يرون أن زهده (ع) بالدنيا، ليس إلا ستارا تختفي وراءه مطامعه فيها، وحبه المستميت لها، حتى إنه ليطمع أن يعيش إلى ما بعد الخليفة الفعلي، الذي هو أصغر من ولده، ويصل إلى الحكم.. وباختصار نقول:

(1) ولكنا، مع ذلك نجد: أن قسما من أصحاب الرضا عليه السلام، ممن كانوا يراقبون الأحداث بوعي ودراية، كانوا يدركون نوايا المأمون وأهدافه هذه ففي البحار.
ج 49 ص 290، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 239: أنه قد سئل أبو الصلت:
" كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟! فقال: إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده، ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلا عندهم، ومحلا في نفوسهم، جلب عليه إلخ. ".
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست