الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب - السيد فخار بن معد - الصفحة ٩٩
فوالله لقد رأوك بمكان سوء فقبح (1) الله مكانا " رأوك فيه، وأمر بجلد الشهود الثلاثة (2).
(1) في ص و ح: (قبح). (2) ذكرت بعض المصادر الفقهية (عن، شعبة، عن الأعمش، عن القاسم ابن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله: انه وجد امرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين جلدة، فذهبوا فشكوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال لم فعلت ذلك؟ قال: لأني أرى ذلك، قال: وانا أرى ذلك) عن كتاب (الأم للشافعي: 170 / 7).
وروى أيضا " (عن عبد الرحمن بن مسعود قال اتي عبد الله بن مسعود برجل وجد مع امرأة في لحاف فضرب كل واحد منهما أربعين سوطا "، وأقامهما للناس فذهب أهل المرأة، وأهل الرجل فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: لابن مسعود ما يقول هؤلاء؟، قال: قد فعلت ذلك، قال: أو رأيت ذلك؟
قال: نعم، فقال نعم ما رأيت. فقالوا أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيحين). عن كتاب (مجمع الزوائد: 270 / 6).
ونحن نرى الخليفة الثاني يقر جلد الرجل والمرأة هذا الحد بمجرد إقامة الشهادة عليهما وأنهما وجدا تحت لحاف واحد دون ان يتأكد من أن الرجل ادخل الميل في الكحلة أم لا، وإذا كان الامر كذلك فلماذا لا يقام الحد على المغيرة وقد شهد عليه شهود ثلاثة بأنه قام بعملية الفحش دون اي شبهة؟، اما الشاهد الرابع فقد أثبت بشهادته انه كان في مكان قبيح رافعا " برجليها، وبين فخذيها إلى آخر الرواية التي يثبتها أبو الفرج في (الأغاني: 141 / 14) وغيره من المصادر، وجريمته لم تكن بأقل من ذلك الرجل الذي وجد مع امرأة تحت لحافها، وقد يكون في الواقع انه لم يعمل بها، وانما كان مجرد مقدمات قد لا تستحق هذا الحد.
اما المغيرة فقد سلك سلوكا " قبيحا " مع امرأة أجنبية استحق معه التعزير والتوبيخ ان لم يكن الحد، خاصة إذا أكدت لنا بعض المصادر بان الخليفة كان على يقين واطمئنان بارتكاب المغيرة الفاحشة، يقول (ابن خلكان: في ترجمة يزيد بن زياد بن أبي ربيعة): (كانت أم جميل بالموسم فالتقت صدفة بالمغيرة، وكان بصحبة عمر بن الخطاب، فقال عمر للمغيرة: أتعرف هذه المرأة؟ فقال المغيرة: نعم هذه أم كلثوم بنت علي فقال عمر: أتتجاهل علي والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك الا خفت ان أرمى بحجارة من السماء)، ولم ينفرد ابن خلكان بهذا الخبر كذلك نقله أبو الفرج في (الأغاني: 141 - 142 / 14 وابن أبي الحديد في شرح النهج:
162 / 3 وغيرهما)، وقد حاول البعض ان يدفع ذلك فقال: دفع الحد عن المغيرة ممكن، ودفعه عن ثلاثة وقد شهدوا غير ممكن، وذلك من باب الستر على هذا الصحابي ولكن السيد المرتضى رحمه الله رد على ذلك بقوله: (ومن العجائب ان يطلب الحيلة في دفع الحد عن واحد، وهو لا يندفع الا بانصرافه إلى ثلاثة، فان كان درء الحد والاحتيال في دفعه من السنن المتبعة، فدرؤه عن ثلاثة أولى من درئه عن واحد) خاصة وان المغيرة رجل مستهتر معروف فلقد وصفته المصادر: بأنه كان (أزنى الناس في الجاهلية، فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام، وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة) ولقد اعترف هو مرة فقال: (دخلت بتسعين امرأة) على حد رواية أبي الفرج في (الأغاني: 143 / 14) وكأن الخليفة عمر التفت إلى هذه الناحية فوبخه وقال له: (انك لفارغ القلب، شديد الشبق، طويل الغرمول) كما في (ابن أبي الحديد: 160 / 3) وكل ما قدمناه لنؤكد ان المغيرة ان لم يكن قد قام بالعملية نفسها، فقد قام بمقدماتها وأسبابها، وجلس من المرأة مجلس الفاحشة بشهادة أربعة لا شبهة في شهادتهم، فهلا ضم الخليفة إلى جلد الثلاثة تعزير هذا الرجل تأديبا " امام العامة، وابن أبي الحديد يلتفت إلى هذه الناحية فيقول: (فاما قول المرتضى - هب ان الحد سقط، اما اقتضت الحال تأديب المغيرة بنوع من أنواع التعزير وان خف - فكلام لازم لا جواب عنه، ولو فعله عمر لبرئ من من التهمة براءة الذئب من دم يوسف، وما أدري كيف فاته ذلك مع تشدده في الدين وصلابته في السياسة، ولعله كان له مانع عن اعتماد ذلك لا نعلمه) (شرح النهج:
159 - 165 / 3). وعلى كل حال فليس لنا الا ان نفسر هذا الامر بان الخليفة اجتهد في أمر المغيرة ورفع الحد عنه ووجه الحد على الشهود، والا فان المغيرة لم تكن جريمته بأقل من ذلك الرجل الذي جلد خمسين سوطا " لأنه شوهد مع امرأة على فراشها وتحت لحافها - كما تقدم -.