بلى، ان مجرد الاستقراء المتعجل لأبعاد التحول الفكري والعقائدي في حياة البشرية عقيب قيام هذه الدعوة السماوية في أرض الجزيرة - المسترخية على رمال الوهم والخداع وسيل الدم المتدافع - يكشف وبلا تطرف ومحاباة عظم ذلك التأثير الإيجابي الذي يمكن تحديد مساره من خلال رؤية التحول المعاكس في كيفية التعامل اليومي مع احداث الحياة وتطوراتها، وبالتالي في فهم الصورة الحقيقية لغاية خلق الإنسان ودوره في بناء الحياة.
كما أن هذه الحقائق المجسدة تكشف بالتالي عن عظم الجهد الذي بذله صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم في تحقيق هذا الأمر وتثبيت أركانه، في وقت شهدت فيه البشرية جمعاء ضياعا ملحوظا في جميع قيمها ومعتقداتها، وخلطا وتزييفا مدروسا في مجمل عقائدها ومرتكزات أفكارها، كرس بالتالي مسارها المبتعد عن الخط السماوي ومناهجه السوية، وأن أي استعراض لمجمل القيم السائدة آنذاك - والتي كانت تشكل المعيار الأساسي والمفصل المهم الذي تستند إليه مجموع السلوكيات الفردية والجماعية وتشذب من خلاله - يكشف عن عمق المأساة التي كانت تعيشها تلك الأمم في تلك الأزمنة الغابرة.