وهكذا فبعد قبول علي بن موسى الرضا - عليهما السلام - بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء، فخفقت الألوية على رأسه، وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي، فلما دخل عليه قال: قلت قصيدة وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له: هاتها فأنشد قصيدته المعروفة:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات ديار عفاها كل جون مبادر * ولم تعف للأيام والسنوات إلى أن قال:
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي وقر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن بالغرفات فأما المصمات التي لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج منها الهم والكربات إلى أن قال:
ألم تر أني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات؟
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا من الأوتار منقبضات حتى أتى على آخرها، فلما فرغ من إنشادها قام الرضا - عليه السلام - فدخل إلى حجرته وأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار واعتذر إليه، فردها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت، وإنما جئت للسلام عليك والتبرك بالنظر إلى وجهك الميمون، وإني لفي غنى، فإن رأيت أن تعطني شيئا من ثيابك للتبرك فهو أحب إلي. فأعطاه الرضا جبة خز ورد عليه الصرة (1).