الجزيرة العربية التي اعتصمت بمنعتها الطبيعية، وحمتها بواديها الجرداء من مطامع الغزاة.
وإنما ألقت الوثنية غشاوة على بصيرة العربي، فتابع آباءه على دينهم تعصبا وتوقيرا، لا يريد أن يتصور أن أسلافه الكرام كانوا جميعا على سفه وضلال.
وتراث الشعر الجاهلي لقرنين قبل الاسلام، يؤكد مع ذلك، ما كان يجتاح الوجدان العربي من قلق وحيرة، وتطلع إلى نور جديد يمزق الغشاوة ويسقط أقنعة الزيف عن عقم الوثنية ومهانة الشرك وخلل الأوضاع.
لا في ديوان المتحنفين فحسب، ولكن في ديوان تلك الفترة بوجه عام. وفيها كان (قس بن ساعدة) يقف في سوق عكاظ بالموسم، فيهز الضمير العربي بحكمته ومواعظه. وفيها كانت آفاق الجزيرة ترجع ما يأتيها من أسواق أم القرى في مواسم الحج، مثل قول (زهير بن أبي سلمى):
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم * ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر * ليوم الحساب أو يعجل فينقم وأعلم علم اليوم والأمس قبله * ولكنني عن علم ما في غد عم