وتكلم هشام بن عمرو، فقال نحو ما قالوا.
وبهت أبو جهل، والأصوات تأتيه من كل ناحية بالتكذيب والرفض، فنقل بصره حائرا بين هؤلاء الرجال الخمسة، ثم لم يجد في أخذة المباغتة بموقفهم سوى أن يقول:
(هذا أمر قضي فيه بليل، تشوور فيه بغير هذا المكان).
لم يلقوا إليه بالا، وقام المطعم على مرأى من الجمع، وأبو طالب هناك قد انتحى ناحية من المسجد - فانتزع الصحيفة من مكانها في جوف الكعبة ليشقها، فإذا بالأرضة قد أكلتها وأتلفتها، لم تدع منها إلا كلمة: (باسمك اللهم)!.
وجمت قريش، ونهض أبو طالب يسعى إلى من في شعبه بالبشرى، وقد ذكر وهو في طريقه من البيت العتيق، بنيه الذين هاجروا إلى الحبشة، فهتف منشدا، يرجو أن يبلغهم هنالك صدى صوته:
ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا * على نأيهم، والله بالناس أرود فيخبرهم أن الصحيفة مزقت * وأن كل ما لم يرضه الله مفسد تراوحها إفك وسحر مجمع * ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد