فكرة الشورى على نطاق واسع، وبعمق، وباعداد نفسي عام، وملء كل الثغرات، وابراز لكل التفاصيل التي تجعل الفكرة عملية، وطرح للفكرة على هذا المستوى كما وكيفا وعمقا، لا يمكن أن يمارسه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ثم تنطمس معالمه لدى جميع المسلمين الذين عاصروه إلى حين وفاته صلوات الله عليه.
وقد يفترض أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد طرح فكرة الشورى بالصورة اللازمة، وبالحجم الذي يتطلبه الموقف كما وكيفا، واستوعبها المسلمون، غير أن الدوافع السياسية استيقظت فجأة وحجت الحقيقة وفرضت على الناس كتمان ما سمعوه من النبي فيما يتصل بالشورى وأحكامها وتفاصيلها.
غير أن هذا الافتراض ليس عمليا، لان تلك الدوافع مهما قيل عنها، فهي لا تشمل المسلمين الاعتياديين من الصحابة الذين لم يساهموا في الاحداث السياسية عقب وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا في بناء هرم السقيفة، وكان موقفهم موقف المترسل، وهؤلاء يمثلون في كل مجتمع جزءا كبيرا من الناحية العددية مهما طغى الجانب السياسي عليه (48).