إن المصنف - وأمثاله كثير - لما بهره سطوع نور الحق، وظهر له ضلال من ضل تحير، ولم يصدق عقله، ولم يقنع بقواطع الحجج، بل استرسل مع الأوهام، وذهب يغالط نفسه، ويحاول ستر شمس الحق بخيوط من نسيج العناكب متتبعا للوساوس والخيالات الواهية.
وإذا تأمل الموفق المنصف صنيع كثير من العلماء في أمثال هذه المواضيع مما تعصبوا له وجمدوا عليه، وأشربته قلوبهم، وارتضعوه مع اللبن، وربوا عليه يجدهم يتشبثون بأذيال الأوهام هيبة للانفراد عن الجماهير، ونضالا عن آراء كبار مقلديهم وإعظاما لمقام سابقيهم، وتخوفا من أن ينبزوا بألقاب مكروهة عند العامة، كالرفض مثلا، وحذرا من أن تعوي خلفهم كلاب الطواغيت من سفلة العلماء فيتعمدوا إطفاء نور الفطرة، وإغماض عين البصيرة، وطمس معالم الهدى، وتخدير الضمائر بنحو قولهم: كذا قالوا، ولو لم يكن لهم مستند لما قالوا، وكقولهم: يسعنا ما وسعهم، وهم أعلم منا وأورع، وداعي الإنصاف يناديهم بلسان الحق المبين (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
والحق أن الذين هم أعلم وأورع هم من قال النبي ص فيهم (تعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) وهم الذين ضمن عدم الضلال للمتمسك بهم الذين