القرن الثالث عشر كله فبلغت أوجها في أخرياته، بل ما كان تطور الشعر والأدب في قرننا الحاضر - الرابع عشر - إلا بفضل تلك الحركة التي ابتدأت بالأزريين واستمرت إلى أوائل قرننا إذ هيأت شعراء أفذاذا صادفوا ابتداء طلائع الحركة التجديدية الحديثة التي دبت في المحيط العربي، فتمكنوا من تغيير أسلوبهم وتفكيرهم.
فشاعرنا فضلا عن كونه من فحول الشعراء له فضل انشاء الحركة الأدبية العالية في العراق. ولم نعرف أحدا قبل تأريخه لا سيما في بغداد يبلغ أو يجري في مضماره وقد صدق فيما قال عن نفسه:
يا أبا أحمد رويدا رويدا * أنا في الشعر صاحب المعجزات وحقا انه صاحب المعجزات في الشعر، وكفى في معجزاته ألفيته التي تقدم ترجمته لأجلها. وهو ممن غرم بالشعر إلى حد الافراط حتى صار يأكل معه ويشرب ولكنه يريد أن يوهمنا أن الشعر هو الذي يتعشقه فيقول:
أبى الشعر إلا أن يحل بساحتي * فيأكل من زادي ويشرب من شربي إذا أنا لم أعبأ به عمر ساعة * توهم هجراني فلاذ إلى جنبي ولأجل ذلك كان رحمه الله بارعا في جميع فنون الشعر المعروفة يومئذ، فهو في الرثاء يستدر الدموع وفي التشبيب يدغدغ القلوب وفي المديح يحلي جيد العاطل، وفي كل فن له آية، وله من روائعه في الغزل ما يزال سائرا على أفواه الناس كقصيدته اللامية التي يقول في أولها: