المدينة عمدا إليه فشداه وثاقا وجلداه نحوا من مائة جلدة وكان أعانهما عليه رجل من بني كنانة أي يقال له الحارث بن يزيد القرشي وفي كلام ابن عبد البر أنه كان ممن يعذبه بمكة مع أبي جهل وفي الينبوع جلده كل واحد منهما مائة جلدة وأنه لما جيء به إلى مكة ألقي في الشمس وحلفت أمه أنه لا يحل عنه حتى يرجع عن دينه ففتن قيل وكان ذلك سبب نزول قوله تعالى * (ووصينا الإنسان بوالديه) * الآية وفيه أنه نقدم أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص إلا أن يقال يجوز أن يكون مما تكرر نزوله فتكون نزلت فيهما وحلف عياش ليقتلن ذلك الرجل إن قدر عليه قيل ولم يزل عياش محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرج عياش فلقي ذلك الرجل الكناني وكان قد أسلم وعياش لا يعلم بإسلأمه فقتله وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأنزل الله تعالى * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم وقال لعياش قم فحرر أي أعتق رقبة وما ذكر من أن عياشا استمر محبوسا إلى الفتح يخالف قول بعضهم مكث صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة كما سيأتي أربعين صباحا يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع أي من الركعة الأخيرة وكان يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص والمستضعفين من المؤمنين بمكة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فإن هذا يدل على أن هشام ابن العاص وعياش بن أبي ربيعة لم يفتتنا ولم يرجعا عن الإسلام وفي السيرة الهشامية ما يفيد أنهما فتنا الأول صريحا والثاني ظاهرا وفي السيرة الهشامية التصريح بافتتانهما وفيه نظر لما ذكر ولأنهما لو كان فتنا لأطلقا من الحبس والقيد وإدامة ذلك إلا أن يقال فعل بهما ذلك بعدم الوثوق برجوعهما عن الإسلام ومما يدل على أن رجوعهما عن الإسلام إن صح إنما كان ظاهرا فقط دعاؤه صلى الله عليه وسلم لهما أي وسيأتي أن الوليد كان سببا لتخليص عياش بن أبي ربيعة وهشام بن أبي العاص بعد أن تخلص من الحبس وهاجر إلى المدينة فإن الوليد كان أسر ببدر ثم افتداه أخوه خالد وهشام ابنا الوليد بن المغيرة وذهبا به إلى مكة فأسلم وأراد الهجرة فحبساه بمكة وقيل له هلا أسلمت قبل أن تفدي قال كرهت أن يظن في أني جزعت من الأسر ثم نجا وتوصل
(١٨٥)