السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ١٤
على أمر جليل لا يغدر بل يحرص على وفاء ما رهن عليه ومن ثم لما أجدبت أرض تميم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذهب سيدهم حاجب بن زرارة والد عطارد رضي الله تعالى عنه إلى كسرى ليأخذ منه أمانا لقومه لينزلوا ريف العراق لأجل المرعى فقال له كسرى أنتم قوم غدر وأخاف على الرعايا منكم فقال له حاجب أنا ضامن أن لا تفعل قومي شيئا من ذلك فقال له كسرى ومن لي بوفائك قال هذه قوسي رهينة فحمقه كسرى وجلساؤه وضحكوا منه فقيل له العرب لو رهن أحدهم شيئا لا بد أن يفي به فلما أخصبت أرض تميم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم لما وفد إليه جماعة منهم وأسلموا ومات حاجب أمر عطارد رضي الله عنه قومه بالذهاب إلى بلادهم وجاء عطارد رضي الله عنه إلى كسرى فطلب قوس أبيه فقال إنك لم تسلم إلى شيئا فقال أيها الملك أنا وارث أبي وقد وفينا بالضمان فإن لم تدفع إلي قوس أبي صار عارا علينا وسبة فدفعها له وكساه حلة فلما وفد عطارد على النبي صلى الله عليه وسلم دفعها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها وقال إنما يلبس هذه الحلة من لاخلاق له فكانت بنو تميم تعد ذلك القوس من مفاخرهم وإلى هذا أشار بعض الشعراء وقد أحسن وأجاد وتلطف بقوله * تزهو علينا بقوس حاجبها * تيه تميم بقوس حاجبها * وصار قصي رئيسا لقريش على الإطلاق حين أزاح يد خزاعة عن البيت وأجلاهم عن مكة بعد أن لم يسلموا لقصي في ولاية أمر البيت ولم يجيزوا ما فعل حليل وأبو غبشان على ما تقدم وذلك بعد أن اقتتلوا آخر أيام مني بعد أن حذرتهم قريش الظلم والبغي وذكرتهم ما صارت إليه جرهم حين ألحدوا في الحرم بالظلم فأبت خزاعة فاقتتلوا قتالا شديدا وكثر القتل والجراح في الفريقين إلا أنه في خزاعة أكثر ثم تداعوا للصلح وإتفقوا على أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فحكموا يعمر بن عوف وكان رجلا شريفا فقال لهم موعدكم فناء الكعبة غدا فلما اجتمعوا قام يعمر فقال ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمي هاتين فلا تباعة لأحد على أحد في دم وقيل قضى بأن كل دم أصابته قريش من خزاعة موضوع وأن ما أصابته خزاعة من قريش فيه الدية وفضى لقصي بأنه أولى بولاية مكة فتولاها قيل وكان يعشر من دخل مكة من غير أهلها أي بتجارة وكانت خزاعة قد أزالت يد جرهم عن ولاية
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»