السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ١٩
ويقال إن عمرو بن لحى هو الذي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد وكانت الأزد يحجون إليه ويعظمونه وكذلك الأوس والخزرج وغسان وذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في تفسيره لبعض الآيات القرآنية عند قوله تعالى * (ولله يسجد من في السماوات والأرض) * أن أصل وضع الأصنام إنما هو من قوة التنزيه من العلماء الأقدمين فإنهم نزهوا الله تعالى عن كل شيء وأمروا بذلك عامتهم فلما رأوا أن بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الأصنام وكسوها الديباج والحلى والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذي غاب عن عقولهم وغاب عن أولئك العلماء أن ذلك لا يجوز إلا بإذن من الله تعالى هذا كلامه وكان في زمان جرهم رجل فاجر يقال له إساف فجر بامرأة يقال لها نائلة في جوف الكعبة أي قبلها فيها كما في تاريخ الأزرقي وقيل زنى بها فمسخا حجرين فأخرجا منها ونصبا على الصفا والمروة ليكونا عبرة فلما كان زمن عمرو بن لحى أخذهما ونصبهما حول الكعبة أي على زمزم وجعلا في وجهها وصار من يطوف يتمسح بهما يبدأ بإساف ويختم بنائلة وذلك قبل أن يقدم عمرو بهبل وبتلك الأصنام وكانت قريش تذبح ذبائحها عندهما وذكر أنه صلى الله عليه وسلم لما كسر نائلة عند فتح مكة خرجت منها امرأة سوداء شمطاء تخمش وجهها وهي تنادي بالويل والثبور وكان عمرو يخبر قومه بأن الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف عن العزى فكانوا يعظمونهما وكانوا يهدون إلى العزى كما يهدون إلى الكعبة وقصى هو الذي أمر قريشا أن يبنوا بيوتهم داخل الحرم حول البيت وقال لهم إن فعلتم ذلك هابتكم العرب ولم تستحل قتالكم فبنوا حول البيت من جهاته الأربع وجعلوا أبواب بيوتهم جهته لكل بطن منهم باب ينسب الآن إليه كباب بني شيبة وباب بني سهم وباب بني مخزوم وباب بني جمع وتركوا قدر الطواف بالبيت فبنى قصى دار الندوة وهي أول دار بنيت بمكة واستمر الأمر على أنه ليس حول الكعبة إلا قدر المطاف وليس حوله جدار زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن ولاية الصديق رضي الله عنه فلما كان زمن ولاية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اشترى تلك الدور من أهلها وهدمها وبنى المسجد المحيط بها ثم لما كان زمن ولاية عثمان رضي الله تعالى عنه اشترى دورا أخر
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»