في السفينة (1) حين استقرت على الجودي ونضب الماء عن وجه الأرض أمر (2) أن يهبط إليها هو ومن معه مباركا عليه وعليهم. وقال الله تعالى: " اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " الآية (3) وقال تعالى: " وإن منها لما يهبط من خشية الله.. " الآية (4). وفى الأحاديث واللغة من هذا كثير.
قالوا: ولا مانع - بل هو الواقع - أن الجنة أسكنها آدم كانت مرتفعة عن (5) سائر بقاع الأرض، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور، كما قال تعالى: " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ". أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس، ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا، لما بينهما من الملاءمة.
فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهى عنها، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنصب والكدر والسعي والنكد، والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا، وقصودا وإرادات وأقوالا وأفعالا، كما قال تعالى: " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ".
ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال: " وقلنا من بعده لبنى إسرائيل اسكنوا الأرض، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " (6)، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء.