فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة; بين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تغنى عنه شيئا أو تفعل به خيرا من رزق أو نصر؟ ثم قال [له] (1) منبها على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع وإن كان أصغر سنا من أبيه: " يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا " أي مستقيما واضحا سهلا حنيفا، يفضى بك إلى الخير في دنياك واخراك.
فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده [وتوعده] (2) قال: " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته لأرجمنك " قيل بالمقال وقيل بالفعال. " واهجرني مليا " أي واقطعني وأطل هجراني.
فعندها قال له إبراهيم: " سلام عليك " أي لا يصلك منى مكروه ولا ينالك منى أذى، بل أنت سالم من ناحيتي. وزاده خيرا فقال:
" سأستغفر لك ربى إنه كان بي حفيا ". قال ابن عباس وغيره: أي لطيفا، يعنى في أن هداني لعبادته والاخلاص له. ولهذا قال: " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى، عسى أن لا أكون بدعاء ربى شقيا ".