الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٧٠٨
الفضل وأن صغر السن فيهم لا يخرجهم عن الكمال، أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين وقبل منه الاسلام وحكم له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين وهما ابنا دون ست سنين ولم يبايع صبيا غيرهما، أفلا تعلمون الآن ما خص الله به هؤلاء القوم وأنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين، ثم نهض القوم (1).
وقيل: إن بعد وفاة الرضا (عليه السلام) بسنة قدم المأمون إلى بغداد وخرج يتصيد، واجتاز يطوف البلد في طريقه والصبيان يلعبون، ومحمد واقف معهم، وكان عمره يومئذ تسع سنين، فلما أقبل الخليفة المأمون انصرف الصبيان هاربين فوقف أبو جعفر محمد فلم يبرح مكانه، فقرب منه الخليفة فنظر إليه، وكان الله عز وعلا قد ألقى عليه مسحة من قبول، فوقف الخليفة وقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟
فقال له مسرعا: يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لا وسعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت.
فأعجبه كلامه ووجهه فقال له: ما اسمك؟ فقال: محمد. قال: ابن من؟ قال:
ابن علي الرضا. فترحم على أبيه ومضى إلى وجهته، وكان معه بزاة.
فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو ومعه سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة، فأعجب الخليفة من ذلك غاية العجب، ثم أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه، فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم، فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو جعفر معهم لم ينصرف ووقف كما وقف أولا. فلما دنا منه الخليفة قال له:
يا محمد. قال له: لبيك يا أمير المؤمنين. قال له: ما في يدي؟ فألهمه الله عز وعلا

(١) الاحتجاج: ص ٤٤٣ - ٤٤٦، كشف الغمة: ج ٢ ص ٣٥٣ - 357.
(٧٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 703 704 705 706 707 708 709 710 711 712 713 ... » »»