الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٤٣٣
إلى الحق، أضم (1) عن الباطل، ينوي العدل ويعاف الحيف، ومعه نفر من أهل بيته وعدة رجال من شيعته، لا يدخلون دارا إلا بإذن، ولا يأكلون شيئا إلا بثمن، رهبان الليل ليوث بالنهار، فاحفظنا فيهم رحمك الله، فإن ابن الزبير قد نابذنا بالعداوة ونابذناه. والسلام.
قال: فكتب إليه عبد الملك بن مروان: أما بعد فقد أتاني كتابك توصني فيه بمن توجه إلي ما قبلي من أهل بيتك، فما أسرني بصلة رحمك وحفظ وصيتك، وكلما هويت من ذلك فمفعول ومتبع، فانزل بي حوائجك رحمك الله كيف أحببت، فلن أعرج عن حاجة عرضت لك قبلي فإنك قد أصبحت عظيم الحق علي مكينا لدي، وفقنا الله وإياك لأفضل الأمور، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: فعندها تجهز محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) وخرج من مكة فيمن اتبعه من أهل بيته وأصحابه، وسار حتى صار إلى مدينة مدين، وبها يومئذ عامل من قبل عبد الملك بن مروان يقال له مطهر بن يحيى العتكي، فلما نظر إلى هؤلاء القوم أمر بباب المدينة فأغلق واتقى من ناحيتهم. فناداهم أصحاب محمد: يا أهل مدين لا تخافون فإنكم آمنون، انما نريد منكم أن تقيموا لنا السوق حتى نتسوق منها ما نريد، ونحن أصحاب محمد بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، لسنا نزري (2) أحدا شيئا، ولا نأكل شيئا إلا بثمن.
قال: ففتح أهل مدين باب مدينتهم وأخرجوا لهم الأنزال (3).
فقال محمد لأصحابه: أيها الناس إني قد وطئت بكم آثار الأولين وأريتكم ما فيه معتبر وبصيرة لكم إن كنتم تعقلون. ألم تروا إلى ديار عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين كانوا عمار الأرض من قبلكم وسكانها، أعطوا من الأموال ما لم تعطوا وأوتوا من الأعمار ما لم تؤتوا، فأصبحوا في القبور رميما كأنهم لم يعمروا

(١) كذا في الأصل.
(٢) أزرى به إزراء: قصد به وحقره وهونه (لسان العرب ١٤ / ٣٥٦).
(٣) أنزال القوم: أرزاقهم (لسان العرب ١١ / 658).
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»