الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ١٦٤
فلما رأى عكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب عمرا صريعا ولوا بخيلهم منهزمين حتى اقتحموا الخندق لا يلوون على شئ، وانصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مقامه الأول وهو يقول:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب فضربته فتركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطر بزني أثوابي (1) وقد روي أن عمرا كان يدعو إلى البراز ويعرض بالمسلمين ويقول:
ولقد بححت من النداء * بجمعهم هل من مبارز وفي كل ذلك يقوم علي (عليه السلام) فيأمره النبي (صلى الله عليه وآله) بالجلوس، فلما تتابع قيام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ادن مني يا علي. فدنا منه فنزع عمامته من رأسه وعممه بها، وأعطاه سيفه، وقال له: امض لشأنك، ثم قال: اللهم أعنه، فسعى نحو عمرو ومعه جابر لينظر ما يكون منه ومن عمرو.
فقال جابر (رضي الله عنه): فثارت بينهما قترة (2) فما رأيتهما وسمعت التكبير تحتها، فعلمت أن عليا (عليه السلام) قد قتله، فانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق، وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم، فوجدوا نوفل بن عبد الله في الخندق لم ينهض به فرسه، فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل بعضكم إلي أقاتله. فنزل إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فضربه حتى قتله. ولحق هبيرة فأعجزه، فضرب قربوس سرجه وسقطت درع كانت له، وفر عكرمة، وهرب ضرار بن الخطاب.
قال جابر: فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله تعالى من قصة داود وجالوت حيث يقول * (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت) * (3) (4).

(١) الإرشاد للمفيد: ص ٥٢ - ٥٣.
(٢) القترة: غبرة يعلوها سواد كالدخان (لسان العرب ٥ / ٧١).
(٣) البقرة: ٢٥١.
(4) الإرشاد للمفيد: ص 53 - 54.
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»