بألوف، فعرض له في طريقه من محاويج اليهود، هم في هدم قد أنهكته العلة، وارتكبته الذلة، وأهلكته القلة، وجلده يستر عظامه، وضعفه يقيد أقدامه، وضره قد ملك زمامه، وسوء حاله قد حبت إليه حمامه، وشمس الظهيرة تشوى شواه، وأخمصه تصافح ثرى ممشاه، وعذاب عرعر به (1) قد عراه، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه، وهو حامل جر مملو على مطاه، وحاله تضعف عليه القلوب القاسية عند مرآه، فاستوقف الحسن (عليه السلام) وقال: يا بن رسول الله أنصفني.
فقال (عليه السلام): (في أي شئ؟) قال: جدك يقول: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وأنت مؤمن وأنا كافر، فما أرى الدنيا إلا جنة لك، تتنعم فيها وتستلذ بها وما أراها إلا سجنا لي قد أهلكني ضرها وأتلفني فقرها.
فلما سمع الحسن (عليه السلام) كلامه أشرق عليه نور التأييد، فاستخرج الجواب الحق بفهمه من خزانة علمه، وأوضح لليهودي خطأ ظنه، وخطل زعمه، وقال:
(يا شيخ لو نظرت إلى ما أعد الله تعالى للمؤمنين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من نعيم الجنان والخيرات الحسان في الدنيا والآخرة، مما لا عين رأت ولا إذن سمعت، لعلمت أني قبل انتقالي إليه من هذه الدنيا في سجن ضنك، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في الدنيا والآخرة من سعير نار الجحيم ونكال العذاب المقيم لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الآن في جنة واسعة ونعمة جامعة) (2).