بأكبر امبراطوريتين عرفهما التاريخ - آنذاك - وكانتا على جانب كبير من القوة والبأس والقدرة العسكرية المتفوقة مما لم يصل المسلمون إلى أقل درجة منها حينئذ وهاتان الامبراطوريتان هما الروم والفرس.
هذا من الخارج واما من الداخل فكان الاسلام والمسلمون مهددين من جانب المنافقين الذين يشكلون العدو الداخلي المبطن، بنحو ما يشبه الآن ما يسمى بالطابور الخامس، وخطر العدو الداخلي لم يكن بأقل من خطر العدو الخارجي من الروم والفرس، وهذا الخطر الثلاثي الرهيب، كان يفرض على النبي أن يقف موقف قائد يحبط بتدبيره الرصين، كل مؤامرة محتملة ضد الدعوة الناشئة وأمته الفتية إذ كان من المحتمل جدا أن يتفق العدو الخارجي مع الداخلي ويتحد هذا الثلاثي الناقم على الإسلام على محو الدين وهدم كل ما بناه الرسول الأكرم طوال ثلاثة وعشرين عاما " ويضيع كل ما قدمه المسلمون من تضحيات غالية في سبيل إقامة صرح الدين.
أفيصح عند ذاك ترك امر الزعامة إلى الأمة الفتية التي لم تمر عليها إلا عدة أعوام قليلة ولم تكتسب فيها تجارب كافيه ولم تتدرع دون هذه الأعداء الخطرين؟ وهو يعلم أنه لو توفر للأمة قائد محنك متفق عليه لقامت في وجه الأعداء قيام رجل واحد، وصدت جميع محاولاتهم العدوانية، بنجاح والتالي نجت الأمة من التفرق والتشرذم والسقوط والفشل بعد غياب رسول الله، وعند عزم العدو على شن الحرب على مناطق الاسلام، وأن اختلاف الأمة بعد ارتحال النبي في امر الخلافة يطمع الأعداء في انقضاء على الاسلام بشن الحروب والغارات.
النظام القبلي ومشكلة القيادة:
قد كانت في حياة المسلمين عند ذاك، مشكلة أخرى كانت تصد النبي عن تفويض القيادة إلى رأي الأمة وهي مشكلة النزعة القبيلية السائدة يوم ذاك. فإن النظام القبلي في جميع الربوع والأقطار يتميز بخضوع افراد كل قبيلة لسيدها وقائدها ورفض قيادة الآخرين فالمجتمع الاسلامي يوم ذاك كان مكونا " من قبائل مختلفة يسودها التنافس والتنازع والاستئثار بالسلطة والزعامة وحصرها في قبيلة ورفض سلطة الآخرين من دون تفكير المشاركة والمساهمة أو تقديم الأفضل فالأفضل.