ألا ترى أن تكليف الله تعالى من علم أنه يكفر قد صار سببا لا عتقادات كثيرة باطلة، فالملحدون جعله طريقا إلى نفى الصانع، والمجبرة جعلته طريقا إلى أن القبيح منا لا يقبح من فعله تعالى، وآخرون جعلوه طريقا إلى الشك والحيرة الدفع عن القطع على حكمه القديم تعالى، وكذلك فعل الآلام بالأطفال والبهائم قد شك كثير من الناس، منهم الثنوية وأصحاب التناسخ والبكرية والمجبرة، ولم يكن دخول الشبهة بهذه الأمور على من قصر في النظر وانقاد إلى الشبهة مع وضوح الحق له لو أراده، موجبا على الله دفعها، حتى لا يكلف إلا المؤمنين ولا يؤل إلا البالغين. ولهذا الباب في الأصول نظائر كثيرة ذكرها يطول، والإشارة إليها كافية. واما الفرق بينه وبين آبائه عليهم السلام فواضح، لان خوف من يشار إليه بأنه القائم المهدي الذي يظهر بالسيف ويقهر الاعداء ويزيل الدول والممالك، لا يكون كخوف غيره ممن يجوز له مع الظهور التقية وملازمة منزله، وليس من تكليفه ولا مما سبق أنه يجري على يده الجهاد واستيصال الظالمين.
المصلحة بوجوده:
(مسألة): فإن قيل: إذا كان الخوف قد اقتضى ان المصلحة في استتاره وتباعده فقد تغيرت الحال إذا في المصلحة بالامام واختلف، وصار ما توجبونه من كون المصلحة مستمرة بوجوده وأمره ونهيه مختلفا على ما ترون، وهذا خلاف مذهبكم.
(الجواب): قلنا المصلحة التي توجب استمرارها على الدوام بوجوده وأمره ونهيه، انما هي للمكلفين. وهذه المصلحة ما تغيرت ولا تتغير، وإنما قلنا إن الخوف من الظالمين اقتضى أن يكون من مصلحته هو (ع) في نفسه الاستتار والتباعد، وما يرجع إلى المكلفين به لم يختلف، ومصلحتنا وإن كانت لا تتم إلا بظهوره وبروزه، فقد قلنا إن مصلحته الآن في نفسه في خلاف الظهور، وذلك غير متناقض، لان من أخاف الامام واحوجه إلى الغيبة