وكان معارضة من يعارض فيقول: إن التأويل لا يعلمه إلا الله، وأن الراسخون في العلم ابتداء لا محمول على ما تقدم من الخطاب باطلة بوجود ما يسقط معارضة من قول العرب عند الاختصار والايجاز. إذ قال لغيره: لا يسلم عليك إلا فلان وفلان يعتذر ولا يعلم الطب إلا فلان وفلان يناظر عليه، ولا يعلم النحو إلا فلان وفلان يتعمق فيه، ولا يجيئك إلا فلان وفلان راكبا (1) بمعنى أن كليهما يسلمان ويعتذر أحدهما، وكليهما يعلمان الطب ويناظر عليه أحدهما، وكليهما يعلمان النحو ويتعمق فيه أحدهما، وكليهما يجيئان وراكبا أحدهما، وجب أن يكون التأويل واجبا، ويعلمه الراسخون في العلم، إذا التأويل واجب.
البرهان السابع: لما كان لا سبيل إلى تعريف ما لا يرى ولا يحس إلا بالعبارة عنه بما يرى ويحس، وكان أخبار الرسول عليه السلام عما لا يرى ولا يحس من الله تعالى، والجنة ونعيمها، والجحيم وعذابها، لزم أن يكون أخباره وعبارته عما عنه خبر وعبر مما لا يرى ويحس، كما أخبر (صلعم) عن الجنة التي هي (2) الدار الآخرة وهي غير مرئية ولا محسوسة بالبساتين، والأنهار، والأشجار، والثمار، والمياه.
وعن كون ما فيها بالولدان، والأكواب، والأباريق، وحور (3) العين، واللؤلؤ المكنون، وجميع النعم الطبيعية التي كلها مرئية محسوسة، وكما أخبر عن الجحيم وعذابها وهي غير مرئية ولا محسوسة، بالنار والاحتراق، والماء الحميم، والغل، والسلسة، والقيد، وجميع الآلام الطبيعية التي كلها مرئية محسوسة.