قال: فكان متكئا فاستوى جالسا، وقال: اللهم عفوك عفوك. ثم قال: يا يونس من زعم أن لله وجها كالوجوه فقد أشرك، ومن زعم أن لله جوارحا كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله، فلا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته، تعالى الله عما يصفه المشبهون بصفة المخلوقين، فوجه الله أنبياؤه، وقوله: * (خلقت بيدي استكبرت) * (1) فاليد القدرة كقوله: * (وأيدكم بنصره) * (2)، فمن زعم أن الله في شئ أو على شئ أو تحول من شئ إلى شئ أو يخلو منه شئ أو يشغل به شئ فقد وصفه بصفة المخلوقين، والله خالق كل شئ لا يقاس بالقياس ولا يشبه بالناس، لا يخلو منه مكان ولا يشغل به مكان، قريب في بعده بعيد في قربه، ذلك الله ربنا لا إله غيره، فمن أراد الله وأحبه بهذه الصفة فهو من الموحدين، ومن أحبه بغير هذه الصفة فالله منه برئ ونحن منه براء.
ثم قال (عليه السلام): إن أولي الألباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حب الله، فإن حب الله إذا ورثه القلب استضاء به وأسرع إليه اللطف، فإذا نزل منزلا صار من أهل الفوائد، فإذا صار من أهل الفوائد تكلم بالحكمة، فإذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة، فإذا عمل به ما في القدرة عرف الأطباق السبعة، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه، فإذا فعل ذلك نزل منزلة الكبرى فعاين ربه في قلبه وورث الحكمة بغير ما ورثه، الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وإن العلماء ورثوا العلم بالطلب، وإن الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إما أن يسفل وإما أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذا لم يرع حق الله ولم يعمل