يا شيخ، من خاف البيات قل نومه، ما أسرع الليالي والأيام في عمر العبد، فاخزن لسانك، وعد كلامك، ولا تقل إلا بخير.
يا شيخ، ارض للناس ما ترضى لنفسك، وأت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال: أيها الناس، أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى؟ فبين صريع يتلوى، وبين عائد ومعود، وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يرجى، وآخر مسجى، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير المؤمنين، أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال: الهوى.
قال: فأي ذل أذل؟ فقال: الحرص على الدنيا.
فقال: فأي فقر أشد؟ قال: الكفر بعد الإيمان.
قال: فأي دعوة أضل؟ قال: الداعي بما لا يكون.
قال: فأي عمل أفضل؟ قال: التقوى.
قال: فأي عمل أنجح؟ قال: طلب ما عند الله.
قال: فأي صاحب أشر؟ قال: المزين لك معصية الله.
قال: فأي الخلق أشقى؟ قال: من باع دينه بدنيا غيره.
قال: فأي الخلق أقوى؟ قال: الحليم.
قال: فأي الخلق أشح؟ قال: من أخذ من غير حله، فجعله في غير حقه.
قال: فأي الناس أكيس؟ قال: من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده.
قال: فمن أحلم الناس؟ قال: الذي لا يغضب.
قال: فأي الناس أثبت رأيا؟ قال: من لم يغره الناس من نفسه، ولم تغره الدنيا بتسوفها.