رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٦
جل بقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) (1)، كذلك غيبة القائم (عج) فإن الأمة تنكرها] لطولها [، فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد، وقائل يقول: انه ولد و مات، وقائل يكفر بقوله: ان حادي عشرنا كان عقيما، وقائل يمرق بقوله: انه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا، وقائل يعصي الله عز وجل بقوله: ان روح القائم (عج)، تنطق في هيكل غيره، وأما إبطاء نوح (ع) فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء، بعث الله عز وجل جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات فقال: يا نبي الله ان الله تبارك و تعالى يقول لك: ان هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي، الا بعد تأكيد الدعوة والزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فانى مثيبك عليه، واغرس هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وادراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين. فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزهر الثمر عليها بعد زمن طويل، استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة، فأمره الله تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار، ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به، فارتد منهم ثلاثمئة رجل وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) (2).
وكذلك القائم تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة، الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عج).
وأما العبد الصالح الخضر (ع) فإن الله تبارك وتعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الأنبياء، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له: بلى ان الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (عج) في أيام غيبته ما يقدر، وعلم ما يكون من انكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك، الا لعلة الاستدلال به على عمر القائم (عج)، وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة؟ (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) (3).
فضل انتظار الفرج - زمان الغيبة.
1 - عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني، مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا إنكم أصحابي وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرفتيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من

1 - النساء: الآية 157.
2 - هود: الآية 37.
3 - الكهف: الآية 9.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 » »»