كل بناء.. أفكار ترتدي أثوابا، أو تحمل شعارات، أو ترفع مشاعل، ليس الثوب فيها، أو الشعار، أو المشعل، الا قناعا يستر الزيف والخطر.
وليس من الممكن ان نفهم موجات السيطرة الخارجية على مجتمعاتنا الا إذا لا حظنا مثلا تبعية الفتاة المسلمة في كثير من بلاد الشرق العربي لكل ما يظهر في أوربا أو أمريكا من أزياء، فما ان ترتدي الزي احدى (المانيكان) قصيرا بمقدار سنتيمتر واحد، حتى تبادر فتياتنا إلى تقصير أثوابهن بمقدار شبر واحد!!
ليس المهم ملاحظة ان تقصر الفتاة أو تطول ثوبها بحكم (الموضة) الشائعة، فإذا لم تفعل عدت متخلفة، وانما المهم ملاحظة هذه السيطرة التي توفرت لملوك الأزياء، وأكثرهم صهيونيون، على فتياتنا المثقفات بخاصة، حتى كأنهن جميعا أعضاء في جوقة موسيقية واحدة، وأمامهن (ما يسترو) كلما أشار بإصبعه أو بعصاه تحرك العازفون والعازفات في اتجاه العصا، كالقطيع. ودلالة هذه التبعية أخطر مما قد يبدو في ظاهر الامر، لان تأثيرها يشمل كل القيم التي يقدسها المجتمع في شخص المرأة، قيم الحياء والأنوثة الواعية، والجسد غير المتعرض لذباب الأعين، وقيم التماسك، والالتزام في تربيتها، وقيم الجيل الناشىء على يديها، وهو الذي ننشده لغد هذه الأرض، ومستقبل هذا الدين، وبكلمة واحدة، وبلا مغالاة: نحن هكذا محكومون من عمق مجتمعنا لملوك الأزياء، ودولة المانيكان.
ومع ذلك، قد يقال: ان مسالة الزي أقل خطرا من غيرها، فهي على اية حال مسالة غلاف... اما غيرها، كقضية المعتقدات التي تزيف للأجيال الناشئة، وجوهرها تحطيم لدينها...
وقضية الروح المنهزمة امام انتصارات العلم في غير بلاد الاسلام، الروح التي تقف متضعضعة مبهورة امام منجزات الانسان الأوربي أو الأمريكي.
وقضية الحرية الفكرية المعدومة في فلسفة التربية، حتى أصبح كل هم المدارس انتاج نماذج مصبوبة في بوتقة التبعية و التقليد... وقضايا أخرى كثيرة، كلها أهم من قضية الميني جيب، أو الميكروجيب.
وبرغم ذلك لا نكاد نلمح أدنى فاصل بين هذه القضايا جميعا، فالمصنع المنتج واحد، وهدف التصدير واحد، والمستهلك المستهلك واحد أيضا، هو الانسان المسلم.
والمشكلة بالإضافة إلى هذا كله ان أكثر كتابنا أصبحوا يرون في قيام هذه الحالات شيئا مألوفا غير جدير بالمناقشة، اما زهدا في الدنيا، واما يأسا من الاصلاح، واما تعودا على المشاهدة اليومية، كما يتعود المدمن تأثير المخدر. وكأنهم المعنيون بقول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه * * * ما لجرح بميت إيلام