على مسرح الاحداث، مبدأ الدين، ومبدأ الالحاد، وكان هو من معسكر الدين وجب عليه ان يدلف إلى هدفه من خلال دعاوى الخصوم، حتى لا يتهم بتجاهلها، فعرض فكرة معارضي الدين وبين أسسها البيولوجية والنفسية والتاريخية. ومعنى ذلك أنه يعوض جوهر فلسفات ثلاثة : الدارونية والفرويدية والماركسية وهي المبادئ التي قادت في مجموعها قطعانا من البشر في وادي الالحاد، وانكار وجود الله، وتاليه المادة.
فإذا بدا بمناقشة هذه المبادئ سلك نفس السبيل التي سلكتها. فاستقى أدلته من الطبيعة، ومن البحوث النفسية، والتاريخية.
وإذا كان أعظم قضايا الدين. بعد الايمان بالله، الايمان باليوم الآخر، حقيقة غيبية، لا مراء فيها، وكانت أهم دعاوى الالحاد قائمة على انكار هذا اللقاء مع الخالق فان اثبات امكان الآخرة، بالأدلة الطبيعية، والبيولوجية والتاريخية هو أيضا من الأدلة القاطعة بصحة الدين، وبوجود الله، ومن ثم نجده متألقا في تبيان الحاجة إلى الآخرة نفسيا، وأخلاقيا، وسلوكيا، حتى إذا استقر في وعي القارئ ضرورة الآخرة كان ذلك طريقا إلى اقرار ضرورة الايمان بالله من جانب آخر. فالآخرة إذن قضية وبرهان في آن.
والمؤلف لا يكتفي في هذا الباب بدليل واحد، بل هو يقدم بحوثا قيمة في ضرورة الآخرة من الناحية الكونية، ويسوق شهادات تجريبية، وبحوثا نفسية وروحية، تؤكد هذه الضرورة، كيما يزيد القارئ ثروة في المفاهيم، ويفسح له آفاق الاقتناع.
ويأتي بعد ذلك دور الرسالة، وهي الدليل التاريخي على الحقيقتين السالفتين، لان الرسل هم الذين دلوا عليهما، قبل أن يخطو الانسان هذه الخطوات الجبارة في ميدان العلم والتجربة.
ومن الضروري ان نلفت النظر هنا إلى أن المؤلف لا يعني بكلمة (الدين) الا ما عناه الحق سبحانه بها في قوله: ﴿ان الدين عند الله الاسلام﴾ (1)، فإذا تناول قضية الرسالة فمقصده قطعا رسالة الاسلام، وكتابها المعجز: القرآن.
ويعقد في هذا الباب عدة فصول يتحدث فيها عن اعجاز القرآن التاريخي، والعلمي، ويورد لمحات كثيرة عن تنبؤات القرآن، وما تضمنته آياته من حقائق لم يكشف عنها الا في العصر الحديث، في الفلك، وطبقات الأرض وغيرهما.
فإذا انتهى من اثبات هده الصفة العلوية للقرآن، وأكد به الحقيقة الأولى، وهي وجود الله،، عقد بابا خاصا بعلاقة الدين بمشكلات الحضارة، فتناول في جانب منه مشكلات