الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٣٣
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه كسرى إلى هرقل، من بيت المقدس، قائلا:
من لدن الاله كسرى، الذي هو أكبر الآلهة، وملك الأرض كلها، إلى عبده اللئيم الغافل:
هرقل: انك تقول: انك تثق في إلهك! فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي؟!.
واستبد اليأس والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة، وقرر العودة إلى قصره الواقع في قرطاجنة على الساحل الإفريقي.. فلم يعد يهمه أن يدافع عن الإمبراطورية، بل كان شغله الشاغل انقاذ نفسه. وأرسلت السفن الملكية إلى البحر، وخرج هرقل في طريقه ليستقل احدى هذه السفن إلى منفاه الاختياري.
وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير أساقفة الروم باسم الدين والمسيح، ونجح في اقناع هرقل بالبقاء، وذهب هرقل مع الأسقف إلى قربان سانت صوفيا يعاهد الله تعالى على أنه لن يعيش أو يموت الا مع الشعب الذي اختاره الله له.
وبإشارة من الجنرال الإيراني سين (Sain) أرسل هرقل سفيرا إلى كسرى طالبا منه الصلح، ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلى القصر، حتى صاح كسرى في غضب شديد: لا أريد هذا القاصد! وانما أريد هرقل مكبلا بالأغلال تحت عرشي، ولن أصالح الرومي حتى يهجر الهه، الصليبي، ويعبد الشمس آلهتنا! (1).
* * * وبعد مضي ستة أعوام على الحرب، رضى الإمبراطور الإيراني أن يصالح هرقل، على شروط معينة، هي أن يدفع ملك الروم:
ألف تالنت (2) من الذهب، وألف تالنت من الفضة، وألف ثوب (3) من الحرير، وألف جواد، والف فتاة عذراء.
ويصف جبن هذه الشروط بأنها مخزية دون شك، وكان من الممكن أن يقبلها هرقل، لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة، والمحدودة الأرجاء، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثروة كمحاولة أخيرة، ضد أعدائه.
* * *

(1) (ص؟؟ 76 ج 5).
(2) Talent، ميزان يوناني قديم، حوالي ستة وعشرين كيلو جراما، لدى الأثينيين، وقد يطلق على كمية النقود الذهبية أو الفضية التي تزنه؟ المراجع.
(3) الثوب: ثلاثون مترا من القماش تقريبا؟ المراجع.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 135 136 137 138 139 ... » »»