الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٣٥
وبينما سيطرت على العاصمتين الفارسية والرومية هذه الأحداث، فقد سيطرت على شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية؟ وهي مكة المكرمة؟ مشكلة مماثلة: كان الفرس مجوسا من عباد الشمس والنار، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح، وبالوحي، وبالرسالة، وبالله تعالى. وكان المسلمون مع الروم؟ نفسيا؟ يرجون غلبهم على الكفار والمشركين، كما كان كفار مكة مع الفرس، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس والروم رمزا خارجيا للصراع الذي كان يدور بين أهل الاسلام وأهل الشرك في مكة. وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الخارجي. فلما انتصر الفرس على الروم عام 616 م. واستولوا على جميع المناطق الشرقية من دولة الروم، انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين، قائلين: لقد غلب إخواننا على إخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد!! وكان المسلمون بمكة في أضعف وأسوأ أحوالهم المادية، وفي تلك الحالة البائسة، صدرت كلمات من لسان الرسول صلى الله عليه وسلم:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدنى الأرض. وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم. وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).؟ الروم:؟ 1 6.
وتعليقا على هذه النبوءة يكتب جبن:
في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية (1).
ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن على كل الوسائل والأحوال، ومن بيده قلوب الناس وأقدارهم، ولم يكد جبريل يبشر النبي بهذه البشرى، حتى أخذ انقلاب يظهر على شاشة الإمبراطورية الرومانية!!.
ويرويه جبن على النحو التالي:
انها من أبرز البطولات التاريخية، تلك التي نراها في هرقل. فقد ظهر هذا الإمبراطور غاية في الكسل والتمتع بالملذات وعبادة الأوهام في السنين الأولى والأخيرة من حكومته، كان يبدو كما لو كان متفرجا أبله، استسلم لمصائب شعبه، ولكن الضباب

(1) ص؟ 74، المجلد 5.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 135 136 137 138 139 140 ... » »»