والفتوحات والحروب ثم الاتفاق والجماعة أوردتها ملخصة عيونها ومجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبري وهو تاريخه الكبير فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك وأبعد من المطاعن عن الشبه في كبار الأمة من خيارهم وعدولهم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء فلا ينبغي أن تسود بها الصحف وأتبعتها بمفردات من غير كتاب الطبري بعد أن تخيرت الصحيح جهد الطاقة وإذا ذكرت شيئا في الأغلب نسبته إلى قائله وقد كان ينبغي أن تلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة ولا ينظر في ذلك إلى حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة فإنه لم يصح والحق ان معاوية في عداد الخلفاء وانما أخره المؤرخون في التأليف عنهم لامرين (الأول) ان الخلافة لعهده كانت مغالبة لاجل ما قدمناه من العصبية التي حدثت لعصره وأما قبل ذلك كانت اختيارا واجتماعا فميزوا بين الحالتين فكان معاوية أول خلفاء المغالبة والعصبية الذين يعبر عنهم أهل الأهواء بالملوك ويشبهون بعضهم ببعض وحاشى الله ان يشبه معاوية بأحد ممن بعده فهو من الخلفاء الراشدين ومن كان تلوه في الدين والفضل من الخلفاء المروانية ممن تلاه في المرتبة كذلك وكذلك من بعدهم من خلفاء بنى العباس ولا يقال ان الملك أدون رتبة من الخلافة فكيف يكون خليفة ملكا (واعلم) ان الملك الذي يخالف بل ينافي الخلافة هو الجبروتية المعبر عنها بالكسروية التي أنكرها عمر على معاوية حين رآى ظواهرها واما الملك الذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافي الخلافة ولا النبوة فقد كان سليمان بن داود وأبوه صلوات الله عليهما نبيين وملكين كانا على غاية الاستقامة في دنياهما وعلى طاعة ربهما عز وجل ومعاوية لم يطلب الملك ولا أبهته للاستكثار من الدنيا وانما ساقه أمر العصبية بطبعها لما استولى المسلمون على الدول كلها وكان هو خليفتهم فدعاهم بما يدعو الملوك إليه قومهم عندما تستفحل العصبية وتدعو لطبيعة الملك وكذلك شأن الخلفاء أهل الدين من بعده إذا دعتهم ضرورة الملك إلى استفحال أحكامه ودواعيه والقانون في ذلك عرض أفعالهم على الصحيح من الاخبار لا بالواهي فمن جرت أفعاله عليها فهو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين ومن خرجت أفعاله عن ذلك فهو من ملوك الدنيا وانما سمى خليفة بالمجاز (الامر الثاني) في ذكر معاوية مع خلفاء بنى أمية دون الخلفاء الأربعة انهم كانوا أهل نسب واحد وعظيمهم معاوية فجعل مع أهل نسبه والخلفاء الأولون مختلفو الأنساب فجعلوا في نمط واحد وألحق بهم عثمان وان كان من أهل هذا النسب للحوقه بهم قريبا في الفضل والله يحشرنا في زمرتهم ويرحمنا بالاقتداء بهم
(١٨٨)