تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٥٠
* (الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم) * هؤلاء الملوك من ولد عبد شمس بن واثل بن الغوث باتفاق من النسابين وقد مر نسبه إلى حمير وكانت مدائن ملكهم صنعاء ومأرب على ثلاث مراحل منها وكان بها السد ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدا ما بين جبلين بالصخر والقار فحقنت به ماء العيون والأمطار وتركت فيه خروقا على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم وهو الذي يسمى العرم والسكر وهو جمع لا واحد له من لفظه قال الجعدي من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما - أي السد ويقال ان الذي بنى السد هو حمير أبو القبائل اليمنية كلها قال الأعشى ففي ذلك للمؤتسى أسوة * مآرب غطى عليه العرم - رخام بناه لهم حمير * إذا جاءه من رامه لم يرم - وقيل بناه لقمان الأكبر ابن عاد كما قاله المسعودي وقال جعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين شعبا وقيل وهو الأليق والأصوب انه من بناء سبا بن يشجب وانه ساق إليه سبعين واديا ومات قبل اتمامه فأتمه ملوك حمير من بعده وانما رجحناه لان المباني العظيمة والهياكل الشامخة لا يستقل بها الواحد كما قدمنا في الكتاب الأول فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن ودولتهم يومئذ أوفر ما كانت وأترف وأبذخ وأعلى يدا وأظهر فلما طغوا وأعرضوا سلط الله عليهم الخلد وهو الجرذ فنقبه من أسفله فأجحفهم السيل وأغرق جناتهم وخربت أرضهم وتمزق ملكهم وصاروا أحاديث وكان هؤلاء التبابعة ملوكا عدة في عصور متعاقبة وأحقاب متطاولة لم يضبطهم الحصر ولا تقيدت منهم الشوارد وربما كانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب تارة ويقتصرون على يمنهم أخرى فاختلفت أحوالهم واتفقت أسماء كثيرة من ملوكهم ووقع اللبس في نقل أيامهم ودولهم فلنأت بما صح منها متحريا جهد الاستطاعة عن طموس من الفكر واقتفاء التقاييد المرجوع إليها والأصول المعتمد على نقلها وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحد والله المستعان (قال) السهيلي معنى تبع الملك المتبع وقال صاحب المحكم التبابعة ملوك اليمن واحدهم تبع لأنهم يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام آخر تابعا له في سيرته وزادوا الباء في التبابعة لإرادة النسب قال الزمخشري قيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل الأقيال لأنهم يتقيلون قال المسعودي ولم يكونوا يسمون الملك منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس ومن لم يكن له شئ من الامرين فيسمى ملكا ولا يقال له تبع (وأول ملوك التبابعة) باتفاق من
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 46 47 48 50 51 52 53 54 55 ... » »»