تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٣٣٥
الكعبة لابنته حبي لما كبر وثقل قالت اجعل ذلك لرجل يقوم لك به فجعله إلى أبي غبشان سليمان بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن قصي وكانت له ولاية الكعبة ويقال ان أبا غبشان هو ابن حليل باعه من قصي بزق خمر قيل فيه أخسر من صفقة أبى غبشان فكان من أول ما بدؤا به نقض ما كان لصوفة من إجازة الحاج وذلك أن بنى سعد بن زيد مناة بن تميم كانوا يلون الإجازة للناس بالحج من عرفة ينفر الحاج لنفرهم ويرمون الجمار لرميهم ورثوا ذلك من بنى الغوث بن مرة كانت أمه من جرهم وكانت لا تلد فنذرت ان ولدت أن تتصدق به على الكعبة عبدا يخدمها فولدت الغوث وخلى أخواله من جرهم بينه وبين قرطاي بذلك فكان له ولولده وكان يقال لهم صوفة (وقال السهيلي) عن بعض الأخباريين ان ولاية الغوث بن مرة كانت من قبل ملوك كندة ولما انقرضوا ورث بالتعدد بنو سعد بن زيد مناة ولما جاء الاسلام كانت تلك الإجازة منهم لكرب بن صفوان بن حتات بن سجنة وقد مر ذكره في بطون تميم فلما كان العام الذي أجمع فيه قصي الانفراد بولاية البيت وحضر اخوته من عذرة تعرض لبنى سعد أصحاب صوفة في قومهم من قريش وكنانة وقضاعة عند الكعبة فما وقفوا للإجازة قال لا نحن أولى بهذا منكم فتناجزا وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم وعرفت خزاعة وبنو بكر عند ذلك أنه سيمنعهم من ولاية البيت كما منع الآخرين فانحازوا عنه وأجمعوا لحربه وتناجزوا وكثر القتل ثم صالحوه على أن يحكموا من أشراف العرب وتنافروا إلى يعمر ابن عوف بن كعب بن عمرو بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى لقصي عليهم فولى قصي البيت وفر بمكة وجمع قريشا من منازلهم بين كنانة إليها وقطعها أرباعا بينهم فأنزل كل بطن منهم بمنزله الذي صبحهم به الاسلام وسمى بذلك مجمعا قال الشاعر قصي لعمري كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر - فكان أول من أصاب من بنى لؤي بن غالب ملكا أطاع له به قومه فصار له لواء الحرب وحجابة البيت وتيمنت قريش برأيه فصرفوا مشورتهم إليه في قليل أمورهم وكثيرها فاتخذوا دار الندوة إزاء الكعبة في مشاوراتهم وجعل بابها إلى المسجد فكانت مجتمع الملاء من قريش في مشاوراتهم ومعاقدهم ثم تصدى لاطعام الحاج وسقايته لما رأى انهم ضيف الله وزوار بيته وفرض على قريش خراجا يؤدونه إليه زيادة على ذلك كانوا يردفونه به فحاز شرفهم كله وكانت الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء له ولما أسن قصي وكان بكره عبد الدار وكان ضعيفا وكان أخوه عبد مناف شرف عليه في حياة أبيه فأوصى قصي لعبد الدار بما كان له من الحجابة واللواء والندوة والرفادة والسقاية يجبر له بذلك ما نقصه من شرف عبد مناف وكان أمره في قومه كالدين المتبع لا يعدل عنه
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 331 332 333 334 335 336 337 338 » »»