تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٤٠
يقدر على أكثر من الخروج عن بيت المقدس وعظمت المجاعة فمات أكثر اليهود وأكلوا الجلود والخشاش والميتة ثم أكل بعضهم بعضا وعثر على امرأة تأكل ابنها فأصابت رؤساؤهم لذلك رحمة وأذنوا في الناس بالخروج فخرجت منهم أمم وهلك أكثرهم حين أكلوا الطعام وابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنة به وشعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم ويشقون عنها بطونهم وشاع ذلك في توابع العسكر من العرب والأرمن فطردهم طيطش وطمع الروم في فتح المدينة وزحفوا إلى سورها الثالث بالآلات ولم يكن لليهود طاقة بدفعها واحراقها فثلموا السور وبنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة وصدمها الروم بالكبش فسقطت من الحدة واستماتوا في تلك الحال إلى الليل ثم بيت الروم المدينة وملكوا الأسوار عليهم وقاتلوهم من الغد فانهزموا إلى المسجد وقاتلوا في الحصن وهدم طيطش البناء ما بين الأسوار إلى المسجد ليتسع المجال ووقف ابن كريون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا وخرج جماعة من الكهنونية فأمنهم ومنع الرؤسا بقيتهم ثم باكرهم طيطش بالقتال من الغد فانهزموا الأقداس وملك الروم المسجد وصحنه واتصلت الحرب أياما وهدمت الأسوار كلها وثلم سور الهيكل وأحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم وفر كثير ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه ونصب الأصنام في الهيكل ومنع من تخريبه ونكر رؤساء الروم ذلك ودسواء من أضرم النار في أبوابه وسقفه وألقى الكهنونة أنفسهم جزعا على دينهم وحزنوا واختفى شمعون يوحنان في جبل صهيون وبعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا وطرقوا القدس في بعض الليالي فقتلوا قائدا من قواد العسكر ورجعوا إلى مكان اختفائهم ثم هرب عنهم اتباعهم وجاء يوحنان ملقيا بيده إلى طيطش فقيده وخرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان ومائدتان ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير ودراهم وطيبا فامتلأت يده منها ورحل عن بيت المقدس فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن باخبار مناحيم الموكل به مائة ألف وخمسة وعشرون ألفا وثمانمائة وقال غير مناحيم كانت عدتهم ستمائة ألف دون من ألقى في الآبار أو طرح إلى خارج الحصن وقتل في الطرفات ولم يدفن وقال غيره كان الذي أحصى من الموتى والقتلى ألف ألف ومائة ألف والسبي والأسارى مائة ألف كان طيطش في كل منزلة يلقى منهم إلى السباع إلى أن فرغوا وكان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة وأما الفرار بن عفان فقد كان خرج من القدس عندما قتل شمعون امتاى الكوهن كما ذكرنا فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 143 144 145 146 ... » »»