تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٣٩
سكندرية وركب البحر منها ورجع طيطش إلى قيسارية إلى أن ينسلخ فصل الشتاء ويزيح العلل وعظمت الفتن والحروب بين اليهود داخل القدس وكثر القتل حتى سالت الدماء في الطرقات وقتل الكهنونية على المذبح وهم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدما وتعذر المشي في الطرقات من سقوط حجارة الرمي ومواقد النيران بالليل وكان يوحنان أخبث القوم وأشرهم ولما انسلخ الشتاء زحف طيطش في عساكر الروم إلى أن نزل على القدس وركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره ويدعوهم إلى السلم فصموا عنه وأكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه وخلص منهم بشدته فعبى عسكره من الغد ونزل بجبل الزيتون شرقي المدينة ورتب العساكر والآلات للحصار واتفق اليهود داخل المدينة ورفعوا الحرب بينهم وبرزوا إلى الروم فانهزموا ثم عاودوا فظهروا ثم انتقضوا بينهم وتحاربوا ودخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنونة وقتل جماعة أخرى خارج المسجد وزحف طيطش وبرزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره وبعث إليهم قائده نيقانور في الصلح فأصابه سهم فقتله فغضب طيطش وصنع كبشا وأبراجا من الحديد توازى السور وشحنها بالمقاتلة فأحرق اليهود تلك الآلات ودفنوها وعادوا إلى الحرب بينهم وكان يوحنان قد ملك القدس ومعه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ومع شمعون عشرة آلاف من اليهود وخمسة آلاف من أروم وبقية اليهود بالمدينة مع العازر وأعاد طيطش الزحف بالآلات وثلم السور الأول وملكه إلى الثاني فاصطلم اليهود بينهم وتذامروا واشتد الحرب وباشرها طيطش بنفسه ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه وتذامر اليهود فمنعوهم عنه ومكثوا كذلك أربعة أيام وجاء المدد من الجهات إلى طيطش ولاذ اليهود بالأسوار وأغلقوا الأبواب ورفع طيطش الحرب ودعاهم إلى المسالمة فامتنعوا فجاء بنفسه في اليوم الخامس وخاطبهم ودعاهم وجاء معه يوسف بن كريون فوعظهم ورغبهم في أمنة الروم ووعدهم وأطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسالمة ومنعهم هؤلاء لرؤساء الخوارج وقتلوا من يروم الخروج إلى الروم ولم يبق من المدينة ما يعصمهم الا السور الثالث وطال الحصار واشتد الجوع عليهم والقتل ومن وجد خارج المدينة لرعى العشب قتله الروم وصلبوه حتى رحمهم طيطش ورفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربع جهاته ونصب الآلات وصبر اليهود على الحرب وتذامر اليهود وصعب الحرب وبلغ الجوع في الشدة غايته واستأمن متاى الكوهن إلى الروم وهو الذي خرج في استدعاء شمعون فقتله شمعون وقتل بنيه وقتل جماعة من الكهنونية والعلماء والأئمة ممن حذر منه أن يستأمن ونكر ذلك العازر بن عناني ولم
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 143 144 145 ... » »»