تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٣
ملك عظيم في عساكر موفورة من غير أن يصير من أعماله هذه ممتنع في العادة. وقد كان بتلك الاعمال العمالقة وكنعان بالشام والقبط بمصر ثم ملك العمالقة مصر وملك بنو إسرائيل الشام ولم ينقل قط أن التبابعة حاربوا أحدا من هؤلاء الأمم ولا ملكوا شيئا من تلك الأعمال وأيضا فالشقة من البحر إلى المغرب بعيدة والأزودة والعلوفة للعساكر كثيرة فإذا ساروا في غير أعمالهم احتاجوا إلى انتهاب الزرع والنعم وانتهاب البلاد فيما يمرون عليه ولا يكفي ذلك للأزودة وللعلوفة عادة وإن نقلوا كفايتهم من ذلك من أعمالهم فلا تفي لهم الرواحل بنقله فلا بد وأن يمروا في طريقهم كلها بأعمال قد ملكوها ودوخوها لتكون الميرة منها وإن قلنا إن تلك العساكر تمر بهؤلاء الأمم من غير أن تهيجهم فتحصل لهم الميرة بالمسالمة فذلك أبعد وأشد امتناعا فدل على أن هذه الأخبار واهية أو موضوعة وأما وادي الرمل الذي يعجز السالك فلم يسمع قط ذكره في المغرب على كثرة سالكه ومن يقص طرقه من الركاب والقرى في كل عصر وكل جهة وهو على ما ذكروه من الغرابة تتوفر الدواعي على نقله. وأما غزوهم بلاد الشرق وأرض الترك وإن كان طريقه أوسع من مسالك السويس إلا أن الشقة هنا أبعد وأمم فارس والروم معترضون فيها دون الترك ولم ينقل قط أن التبابعة ملكوا بلاد فارس ولا بلاد الروم وإنما كانوا يحاربون أهل فارس على حدود بلاد العراق وما بين البحرين والحيرة والجزيرة بين دجلة والفرات وما بينهما في الاعمال وقد وقع ذلك بين ذي الاذعار منهم وكيكاوس من ملوك الكيانية وبين تبع الأصغر أبي كرب ويستاسف منهم أيضا ومع ملوك الطوائف بعد الكيانية والساسانية من بعدهم بمجاوزة أرض فارس بالغزو إلى بلاد الترك والتبت وهو ممتنع عادة من أجل الأمم المعترضة منهم والحاجة إلى الأزودة والعلوفات مع بعد الشقة كما مر فالاخبار بذلك واهية مدخولة وهي لو كانت صحيحة النقل لكان ذلك قادحا فيها فكيف وهي لم تنقل من وجه صحيح وقول ابن إسحاق في خبر يثرب والأوس والخزرج أن تبعا الآخر سار إلى المشرق محمولا على العراق وبلاد فارس وأما بلاد الترك والتبت فلا يصح غزوهم إليها بوجه لما تقرر فلا تثقن بما يلقى إليك من ذلك وتأمل الاخبار واعرضها على القوانين
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»