تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٨٥
وأما أهل الشمال فلم يسموا باعتبار ألوانهم لان البياض كان لونا لأهل تلك اللغة الواضعة للأسماء فلم يكن فيه غرابة تحمل على اعتباره في التسمية لموافقته واعتياده ووجدنا سكانه من الترك والصقالبة والطغر غر والخزر واللان والكثير من الإفرنجة ويأجوج ومأجوج أسماء متفرقة وأجيالا متعددة مسمين بأسماء متنوعة وأما أهل الأقاليم الثلاثة المتوسطة أهل الاعتدال في خلقهم وخلقهم وسيرهم وكافة الأحوال الطبيعية للاعتمار لديهم من المعاش والمساكن والصنائع والعلوم والرئاسات والملك فكانت فيهم النبوءات والملك والدول والشرائع والعلوم والبلدان والأمصار والمباني والفراسة والصنائع الفائقة وسائر الأحوال المعتدلة وأهل هذه الأقاليم التي وقفنا على أخبارهم مثل العرب والروم وفارس وبني إسرائيل واليونان وأهل السند والهند والصين. ولما رأى النسابون اختلاف هذه الأمم بسماتها وشعارها حسبوا ذلك لاجل الأنساب فجعلوا أهل الجنوب كلهم السودان من ولد حام وارتابوا في ألوانهم فتكلفوا نقل تلك الحكاية الواهية وجعلوا أهل الشمال كلهم أو أكثرهم من ولد يافث وأكثر الأمم المعتدلة وأهل الوسط المنتحلين للعلوم و الصنائع والملل والشرائع والسياسة والملك من ولد سام وهذا الزعم وإن صادف الحق في انتساب هؤلاء فليس ذلك بقياس مطرد إنما هو اخبار عن الواقع لا أن تسمية أهل الجنوب بالسودان والحبشان من أجل انتسابهم إلى حام الأسود. وما أداهم إلى هذا الغلط إلا اعتقادهم أن التمييز بين الأمم إنما يقع بالأنساب فقط وليس كذلك فإن التمييز للجيل أو الأمة يكون بالنسب في بعضهم كما للعرب وبني إسرائيل والفرس ويكون بالجهة والسمة كما للزنج والحبشة والصقالبة والسودان ويكون بالعوائد والشعار والنسب كما للعرب. ويكون بغير ذلك من أحوال الأمم وخواصهم ومميزاتهم فتعميم القول في أهل جهة معينة من جنوب أو شمال بأنهم من ولد فلان المعروف لما شملهم من نحلة أو لون أو سمة وجدت لذلك الأب إنما هو من الأغاليط التي أوقع فيها الغفلة عن طبائع الأكوان والجهات وإن هذه كلها تتبدل في الاعقاب ولا يجب استمرارها سنة الله في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا والله ورسوله أعلم بغيبه وأحكم وهو المولى المنعم الرؤوف الرحيم
(٨٥)
مفاتيح البحث: الهند (1)، الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»