أسوة وهذه اللغة لم يبتدعها هذا الجيل بل هي متوارثة فيهم متعاقبة ويظهر من ذلك انها لغة مضر الأولين ولعلها لغة النبي صلى الله عليه وسلم بعينها قد ادعى ذلك فقهاء أهل البيت وزعموا أن من قرأ في أم القرآن إهدنا إلى الصراط المستقيم بغير القاف التي لهذا الجيل فقد لحن وأفسد صلاته ولم أدر من أين جاء هذا فان لغة أهل الأمصار أيضا لم يستحدثوها وإنما تناقلوها من لدن سلفهم وكان أكثرهم من مضر لما نزلوا الأمصار من لدن الفتح وأهل الجيل أيضا لم يستحدثوها إلا أنهم أبعد من مخالطة الأعاجم من أهل الأمصار فهذا يرجح فيما يوجد من اللغة لديهم أنه من لغة سلفهم هذا مع اتفاق أهل الجيل كلهم شرقا وغربا في النطق بها وأنها الخاصية التي يتميز بها العربي من الهجين والحضري فتفهم ذلك والله الهادي المبين الفصل التاسع والثلاثون في أن لغة اهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها للغة مضر إعلم أن عرف التخاطب في الأمصار وبين الحضر ليس بلغة مضر القديمة ولا بلغة أهل الجيل بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها بعيدة عن لغة مضر وعن لغة هذا الجيل العربي الذي لعهدنا وهي عن لغة مضر أبعد فاما إنها لغة قائمة بنفسها فهو ظاهر يشهد له ما فيها من التغاير الذي يعد عند صناعة أهل النحو لحنا وهي مع ذلك تختلف باختلاف الأمصار في اصطلاحاتهم فلغة أهل المشرق مباينة بعض الشئ للغة أهل المغرب وكذا أهل الأندلس معهما وكل منهم متوصل بلغته إلى تأدية مقصوده والإبانة عما في نفسه وهذا معنى اللسان واللغة وفقدان الاعراب ليس بضائر لهم كما قلناه في لغة العرب لهذا العهد وأما إنها أبعد عن اللسان الأول من لغة هذا الجيل فلان البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجمة فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد لان الملكة انما تحصل بالتعليم كما قلناه وهذه ملكة ممتزجة من الملكة الأولى التي كانت للعرب ومن الملكة الثانية التي للعجم فعلى مقدار ما يسمعونه من العجم ويربون عليه يبعدون عن الملكة الأولى واعتبر ذلك في أمصار أفريقية والمغرب والأندلس والمشرق أما أفريقية والمغرب فخالطت العرب فيها البرابرة من العجم بوفور عمرانها بهم ولم يكد يخلو عنهم مصر
(٥٥٨)