تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٨٤
طاهر ثم بني بويه وموالي الترك مثل بغا ووصيف وأنلمش وباكناك وابن طولون وأبنائهم وغير هؤلاء من موالي العجم فتكون الدولة لغير من مهدها والعز لغير من اجتلبه سنة الله في عباده والله تعالى أعلم الفصل العشرون في أحوال الموالي والمصطنعين في الدول إعلم أن المصطنعين في الدول يتفاوتون في الالتحام بصاحب الدولة بتفاوت قديمهم وحديثهم في الالتحام بصاحبها والسبب في ذلك أن المقصود في العصبية من المدافعة والمغالبة إنما يتم بالنسب لاجل التناصر في ذوي الأرحام والقربى والتخاذل في الأجانب والبعداء كما قدمناه والولاية والمخالطة بالرق أو بالحلف تتنزل منزلة ذلك لان أمر النسب وإن كان طبيعيا فإنما هو وهمي والمعنى الذي كان به الالتحام إنما هو العشرة والمدافعة وطول الممارسة والصحبة بالمربى والرضاع وسائر أحوال الموت والحياة وإذا حصل الالتحام بذلك جاءت النعرة والتناصر وهذا مشاهد بين الناس واعتبر مثله في الاصطناع فإنه يحدث بي المصطنع ومن اصطنعه نسبة خاصة من الوصلة تتنزل هذه المنزلة وتؤكد اللحمة وإن لم يكن نسب فثمرات النسب موجودة فإذا كانت هذه الولاية بين القبيل وبين أوليائهم قبل حصول الملك لهم كانت عروقها أوشج وعقائدها أصح ونسبها أصرح لوجهين أحدهما أنهم قبل الملك أسوة في حالهم فلا يتميز النسب عن الولاية إلا عند الأقل منهم فيتنزلون منهم منزلة ذوي قرابتهم وأهل أرحامهم وإذا اصطنعوهم بعد الملك كانت مرتبة الملك مميزة للسيد عن المولى ولأهل القرابة عن اهل الولاية والاصطناع لما تقتضيه أحوال الرئاسة والملك من تميز الرتب وتفاوتها فتتميز حالتهم ويتنزلون منزلة الأجانب ويكون الالتحام بينهم أضعف والتناصر لذلك أبعد وذلك أنقص من الاصطناع قبل الملك. الوجه الثاني أن الاصطناع قبل الملك يبعد عهده عن أهل الدولة بطول الزمان ويخفي شأن تلك اللحمة ويظن بها في الأكثر النسب فيقوى حال العصبية وأما بعد الملك فيقرب العهد ويستوي في معرفته الأكثر فتتبين اللحمة وتتميز عن النسب فتضعف العصبية بالنسبة إلى الولاية التي كانت قبل
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»