تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٩١
على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم وكان هذا الحكم لأهل الشريعة وهم الأنبياء ومن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء فقد تبين لك من ذلك معنى الخلافة وأن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة والسياسي هو حمل الكافة علي مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به فافهم ذلك واعتبره فيما نورده عليك من بعد والله الحكيم العليم الفصل السادس والعشرون في اختلاف الأمة في حكم هذا المنصب وشروطه وإذ قد بينا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإماما فأما تسميته إماما فتشبيها بامام الصلاة في اتباعه والاقتداء به ولهذا يقال الإمامة الكبرى وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته فيقال خليفة باطلاق وخليفة رسول الله واختلف في تسميته خليفة الله فأجازه بعضهم اقتباسا من الخلافة العامة التي للآدميين في قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة وقوله جعلكم خلائف الأرض ومنع الجمهور منه لان معنى الآية ليس عليه وقد نهى أبو بكر عنه لما دعي به وقال لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان الاستخلاف إنما هو في حق الغائب وأما الحاضر فلا ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين لان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم وكذا في كل عصر من بعد ذلك ولم تترك الناس فوضى في عصر من الاعصار واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام وقد ذهب بعض الناس إلى أن مدرك وجوبه العقل وأن الاجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل فيه قالوا وإنما وجب بالعقل لضرورة الاجتماع للبشر واستحالة حياتهم ووجودهم منفردين ومن ضرورة
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»