وقومها شأن القبائل والأمم المفترقة في العالم وإن غلبتها واستتبعتها التحمت بها أيضا وزادت قوة في التغلب إلى قوتها وطلبت غاية من التغلب والتحكم أعلى من الغاية الأولى وأبعد وهكذا دائما حتى تكافئ بقوتها قوة الدولة في هرمها ولم يكن لها ممانع من أولياء الدولة أهل العصبيات استولت عليها وانتزعت الامر من يدها وصار الملك أجمع لها وإن انتهت قوتها ولم يقارن ذلك هرم الدولة وإنما قارن حاجتها إلى الاستظهار بأهل العصبيات انتظمتها الدولة في أوليائها تستظهر بها على ما يعن من مقاصدها وذلك ملك آخر دون الملك المستبد وهو كما وقع للترك في دولة بني العباس ولصنهاجة وزناتة مع كتامة ولبني حمدان مع ملوك الشيعة من العلوية والعباسية فقد ظهر أن الملك هو غاية العصبية وأنها إذا بلغت إلى غايتها حصل للقبيلة الملك إما بالاستبداد أو بالمظاهرة على حسب ما يسعه الوقت المقارن لذلك وإن عاقهم عن بلوغ الغاية عوائق كما نبينه وقفت في مقامها إلى أن يقضي الله بأمره الفصل الثامن عشر في أن من عوائق الملك حصول الترف وانغماس القبيل في النعيم وسبب ذلك أن القبيل إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب استولت على النعمة بمقداره وشاركت أهل النعم والخصب في نعمتهم وخصبهم وضربت معهم في ذلك بسهم وحصة بمقدار غلبها واستظهار الدولة بها فإن كانت الدولة من القوة بحيث لا يطمع أحد في انتزاع أمرها ولا مشاركتها فيه أذعن ذلك القبيل لولايتها والقنوع بما يسوغون من نعمتها ويشركون فيه من جبايتها ولم تسم آمالهم إلى شئ من منازع الملك ولا أسبابه إنما همتهم النعيم والكسب وخصب العيش والسكون في ظل الدولة إلى الدعة والراحة والاخذ بمذاهب الملك في المباني والملابس والاستكثار من ذلك والتأنق فيه بمقدار ما حصل من الرياش والترف وما يدعو إليه من توابع ذلك فتذهب خشونة البداوة وتضعف العصبية والبسالة ويتنعمون فيما أتاهم الله من البسطة وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك من الترفع عن خدمة أنفسهم وولاية حاجاتهم ويستنكفون عن سائر الأمور الضرورية في العصبية حتى يصير ذلك خلقا لهم وسجية فتنقص عصبيتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبية
(١٤٠)