وكتاب النوادر لابي علي القالي البغدادي وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها وكتب المحدثين في ذلك كثيرة وكان الغناء في الصدر الأول من أجزاء هذا الفن لما هو تابع للشعر إذ الغناء إنما هو تلحينه وكان الكتاب والفضلاء من الخواص في الدولة العباسية يأخذون أنفسهم به حرصا على تحصيل أساليب الشعر وفنونه فلم يكن انتحاله قادحا في العدالة والمروءة وقد ألف القاضي أبو الفرج الأصبهاني كتابه في الأغاني جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم وجعل مبناه على الغناء في المائة صوتا التي اختارها المغنون للرشيد فاستوعب فيه ذلك أتم استيعاب وأوفاه ولعمري إنه ديوان العرب وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها وأنى له بها ونحن الآن نرجع بالتحقيق على الاجمال فيما تكلمنا عليه من علوم اللسان والله الهادي للصواب الفصل السابع والثلاثون في أن اللغة ملكة صناعية إعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التاليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع وهذا هو معنى البلاغة والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لان الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة ثم تتكرر فتكون حالا ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة فالمتكلم من العرب حين كانت ملكته اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيلقنها أولا ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك ثم لا يزال
(٥٥٤)